وأعظم ، ولو كان أعداؤهم الظالمون يعلمون ذلك لدخلوا في دين الإسلام ، ولأقلعوا عن ظلمهم لهؤلاء المهاجرين.
وكأن جملة «لو كانوا يعلمون» جوابا عن سؤال تقديره : كيف لم يقتد بهم من بقي على الكفر مع هذا الثواب الذي أعده الله لهؤلاء المهاجرين؟
فكان الجواب : لو كان هؤلاء الكافرون يعلمون ذلك لأقلعوا عن كفرهم.
ويصح أن يكون الضمير يعود على المهاجرين ، فيكون المعنى : لو كانوا يعلمون علم مشاهدة ومعاينة ما أعده الله لهم ، لما حزنوا على مفارقة الأوطان والأولاد والأموال ، ولازدادوا حبا وشوقا واجتهادا في المهاجرة.
أخرج ابن جرير وابن المنذر عن عمر بن الخطاب ، أنه كان إذا أعطى الرجل من المهاجرين عطاء يقول له «خذ بارك الله لك فيه ، هذا ما وعدك الله في الدنيا ، وما ذخره لك في الآخرة أفضل ، ثم تلا هذه الآية (١).
وجوز بعضهم أن يكون الضمير يعود للمتخلفين عن الهجرة أى : لو علم هؤلاء المتخلفون عن الهجرة ، ما أعده ـ سبحانه ـ من أجر للمهاجرين ، لما تخلفوا عن ذلك.
وعلى أية حال فلا مانع من أن يكون الضمير يعود على كل من يتأتى له العلم ، بهذا الثواب الجزيل لهؤلاء المهاجرين في سبيل الله ـ تعالى ـ.
ثم وصف ـ سبحانه ـ هؤلاء المهاجرين بوصفين كريمين فقال : (الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) أى : هذا الأجر العظيم لهؤلاء المهاجرين الذين صبروا على ما أصابهم من عدوان وظلم ، وفوضوا أمرهم إلى خالقهم ، فاعتمدوا عليه وحده ، ولم يعتمدوا على أحد سواه.
وصفتا الصبر والتوكل على الله. إذا دخلا في قلب ، حملاه على اعتناق كل فضيلة ، واجتناب كل رذيلة.
وعبر عن صفة الصبر بصيغة الماضي للدلالة على أن صبرهم قد آذن بالانتهاء لانقضاء أسبابه وهو ظلم أعدائهم لهم ، لأن الله ـ تعالى ـ قد جعل لهم مخرجا بالهجرة ، وذلك بشارة لهم.
وعبر عن صفة التوكل بصيغة المضارع للإشارة إلى أن هذه الصفة ديدنهم في كل وقت ،
__________________
(١) تفسير ابن جرير ج ١٤ ص ٧٤.