قال الآلوسى ما ملخصه قوله ـ تعالى ـ : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ ..) أى : أهل الكتاب من اليهود والنصارى. قاله : ابن عباس والحسن والسدى وغيرهم.
وقال أبو حيان في البحر : والمراد من لم يسلم من أهل الكتاب ، لأنهم الذين لا يتهمون عند المشركين في إخبارهم بأن الرسل كانوا رجالا ، فإخبارهم بذلك حجة عليهم. والمراد كسر حجتهم وإلزامهم ، وإلا فالحق واضح في نفسه لا يحتاج إلى إخبار هؤلاء ..» (١).
قالوا : وفي الآية دليل على وجوب الرجوع إلى أهل العلم فيما لا يعلم ، وعلى أن الرسل جميعا كانوا من الرجال ولم يكن من بينهم امرأة قط.
والجار والمجرور في قوله : «بالبينات والزبر» .... متعلق بقوله «وما أرسلنا ..» وداخل تحت حكم الاستثناء مع «رجالا».
والمراد بالبينات : الحجج والمعجزات الدالة على صدق الرسل.
والزبر : جمع زبور بمعنى مزبور أى مكتوب. يقال : زبرت الكتاب .. من باب نصر وضرب ـ أى : كتبته كتابة عظيمة.
أى : وما أرسلنا من قبلك ـ أيها الرسول الكريم ـ إلا رجالا مؤيدين بالمعجزات الواضحات ، وبالكتب العظيمة المشتملة على التشريعات الحكيمة والآداب الحميدة ، والعقائد السليمة ، التي تسعد الناس في دينهم وفي دنياهم.
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ). بيان للحكم التي من أجلها أنزل الله ـ تعالى ـ القرآن على النبي صلىاللهعليهوسلم.
أى : وأنزلنا إليك ـ أيها الرسول الكريم ـ القرآن ، لتعرف الناس بحقائق وأسرار ما أنزل لهدايتهم في هذا القرآن من تشريعات وآداب وأحكام ومواعظ ولعلهم بهذا التعريف والتبيين يتفكرون فيما أرشدتهم إليه ، ويعملون بهديك ويقتدون بك في أقوالك وأفعالك ، وبذلك يفوزون ويسعدون.
فأنت ترى أن الجملة الكريمة قد اشتملت على حكمتين من الحكم التي أنزل الله ـ تعالى ـ من أجلها القرآن على النبي صلىاللهعليهوسلم.
أما الحكمة الأولى : فهي تفسير ما اشتمل عليه هذا القرآن من آيات خفى معناها على
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٤ ص ١٤٧.