وقد حكى القرآن في مواطن عدة إنكار المشركين لبشرية الرسل ورد عليهم بما يخرسهم ، ومن ذلك قوله ـ تعالى ـ : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى ..) (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلَّا أَنْ قالُوا ، أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً) (٢).
وقوله ـ تعالى ـ (ذلِكَ بِأَنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ ، فَقالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا ، فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللهُ وَاللهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) (٣).
والمراد بأهل الذكر في قوله «فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون» علماء أهل الكتاب أى : لقد اقتضت حكمتنا أن يكون الرسول من البشر في كل زمان ومكان ، فإن كنتم في شك من ذلك ـ أيها المكذبون ـ فاسألوا علماء أهل الكتب السابقة من اليهود والنصارى ، فسيبينون لكم أن الرسل جميعا كانوا من البشر ولم يكونوا من الملائكة.
وهذه الجملة الكريمة معترضة بين قوله ـ تعالى ـ (وَما أَرْسَلْنا ..) وبين قوله بعد ذلك : (بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ ..) للمبادرة إلى توبيخ المشركين وإبطال شبهتهم ، لأنه قد احتج عليهم ، بمن كانوا يذهبون إليهم لسؤالهم عن الرسول صلىاللهعليهوسلم.
وفي قوله ـ تعالى ـ (إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) إيماء إلى أنهم كانوا يعلمون أن الرسل لا يكونون إلا من البشر ، ولكنهم قصدوا بإنكار ذلك الجحود والمكابرة ، والتمويه لتضليل الجهلاء ، ولذا جيء في الشرط بحرف «إن» المفيد للشك.
وجواب الشرط لهذه الجملة محذوف ، دل عليه ما قبله. أى : إن كنتم لا تعلمون ، فاسألوا أهل الذكر. وقيل المراد بأهل الذكر هنا : المسلمون مطلقا ، لأن الذكر هو القرآن ، وأهله هم المسلمون.
ونحن لا ننكر أن الذكر يطلق على القرآن الكريم ، كما في قوله ـ تعالى ـ (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) إلا أن المراد بأهل الذكر هنا : علماء أهل الكتاب ، لأن المشركين كانوا يستفسرون منهم عن أحوال النبي صلىاللهعليهوسلم ، أكثر من استفسارهم من المسلمين.
__________________
(١) سورة يوسف الآية ١٠٩.
(٢) سورة الإسراء الآية ٩٤.
(٣) سورة التغابن الآية ٦.