قال ابن كثير ـ رحمهالله ـ : يخبر ـ تعالى ـ عن عظمته وجلاله ، الذي خضع له كل شيء ودانت له الأشياء والمخلوقات بأسرها ، جمادها وحيواناتها ومكلفوها من الإنس والجن والملائكة ، فأخبر أن كل ماله ظل يتفيأ ذات اليمين وذات الشمال ـ أى بكرة وعشيا ـ ، فإنه ساجد بظله لله ـ تعالى ـ (١).
والاستفهام في قوله ـ تعالى ـ (أَوَلَمْ يَرَوْا ..) للإنكار والتوبيخ ، والرؤية بصرية.
أى : قد رأوا كل ذلك ، ولكنهم لم ينتفعوا بما رأوا ، ولم يتعظوا بما شاهدوا.
والمراد بقوله : (عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ) جهتهما ، وليس المراد التقييد بذلك ، إذ أن الظل أحيانا يكون أمام الإنسان وأحيانا يكون خلفه. وإنما ذكر اليمين والشمائل اختصارا للكلام.
وأفرد اليمين ، لأن المراد به جنس الجهة ، كما يقال : المشرق ، أى جهة المشرق ، وجمع «الشمائل» ـ مفردة شمال ـ ، لأن المقصود تعدد هذه الجهة باعتبار تعدد أصحابها.
قال الشوكانى : قال الفراء : وحد اليمين ، لأنه أراد واحدا من ذوات الأظلال ، وجمع الشمائل ، لأنه أراد كلها.
وقال الواحدي : وحد اليمين والمراد به الجميع إيجازا في اللفظ ، كقوله : «ويولون الدبر» ، ودلت الشمائل على أن المراد به الجمع. وقيل : إن العرب إذا ذكرت صيغتي جمع عبرت عن إحداهما بلفظ الواحد ، كما في قوله ـ تعالى ـ (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ...) (٢).
وقوله ـ سبحانه ـ : (سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ). حال من «ظلاله» أى : حال كون هذه الأشياء وظلالها سجدا لله ـ تعالى ـ ، وحال كون الجميع لا يمتنع عن أمر الله ـ تعالى ـ ، بل الكل خاضع له ـ سبحانه ـ كل الخضوع.
وجاء قوله ـ تعالى ـ : (وَهُمْ داخِرُونَ). بصيغة الجمع الخاصة بالعقلاء ، تغليبا لهم على غيرهم ثم أتبع ـ سبحانه ـ هذه الآية الكريمة ، بآيات أخرى مؤكدة لها ، ومبينة أن كل المخلوقات لن تمتنع عن السجود لله ـ تعالى ـ ، سواء أكانت لها ظلال أم لا ، فقال ـ سبحانه ـ : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ ، وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ ..).
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٤٩٤ طبعة دار الشعب.
(٢) تفسير فتح القدير للشوكانى ج ٣ ص ١٦٦.