والمنهي عنه هو الإشراك به ، لا أن المنهي عنه هو مطلق اتخاذ إلهين ..» (١).
«اثنين» صفة للفظ إلهين أو مؤكد له. وخص هذا العدد بالذكر ، لأنه الأقل ، فيعلم انتفاء اتخاذ ما فوقه بالطريق الأولى.
وقوله ـ سبحانه ـ (إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ) بيان وتوكيد لما قبله ، وهو مقول لقوله ـ سبحانه ـ (وَقالَ اللهُ).
أى : وقال الله لا تتخذوا معى في العبادة إلها آخر ، وقال ـ أيضا ـ إنما المستحق للعبادة إله واحد ، والقصر في الجملة الكريمة من قصر الموصوف على الصفة ، أى : الله وحده هو المختص بصفة الوحدانية.
وقد نهى ـ سبحانه ـ عن الشرك في آيات كثيرة ، وأقام الأدلة على بطلانه ومن ذلك قوله ـ تعالى ـ (... وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً) (٢) وقوله ـ سبحانه ـ (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا ، فَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) (٣).
والفاء في قوله «فإياى فارهبون» واقعة في جواب شرط مقدر و «إياى» مفعول به لفعل محذوف يقدر مؤخرا ، يدل عليه قوله «فارهبون».
والرهبة : الخوف المصحوب بالتحرز ، وفعله رهب بزنة طرب.
والمعنى : إن رهبتم شيئا فإياى فارهبوا دون غيرى ، لأنى أنا الذي لا يعجزنى شيء.
وفي الجملة الكريمة التفات من الغيبة إلى الخطاب ، للمبالغة في التخويف ، إذ تخويف الحاضر أبلغ من تخويف الغائب ، لا سيما بعد أن وصف ـ سبحانه ـ ذاته بما وصف من صفات القهر والغلبة والكبرياء.
وقدم المفعول وهو إياى لإفادة الحصر ، وحذف متعلق الرهبة ، للعموم.
أى : ارهبونى في جميع ما تأتون وما تذرون.
والمتأمل في هذه الآية الكريمة يراها قد اشتملت على ألوان من المؤكدات للنهى عن الشرك ، والأمر بإخلاص العبادة لله ـ تعالى ـ وحده ، تارة عن طريق التقرير «وقال الله ..» وتارة عن طريق النهى الصريح ، وتارة عن طريق القصر وتارة عن طريق التخصيص.
وذلك لكي يقلع الناس عن هذه الرذيلة النكراء ، ويؤمنوا بالله الواحد القهار.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٤ ص ١٦١.
(٢) سورة الإسراء الآية ٣٩.
(٣) سورة الأنبياء الآية ٢٢.