وقوله «من نعمة» بيان لما اشتملت عليه «ما» من إبهام.
وقوله ـ سبحانه ـ (ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ. ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ ، إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ) بيان لطبيعة الإنسان ، ولموقفه من خالقه ـ عزوجل ـ والضر : يشمل المرض والبلاء والفقر وكل ما يتضرر منه الإنسان.
وقوله «تجأرون» من الجؤار بمعنى ـ رفع الصوت بالاستغاثة وطلب العون ، يقال : جأر فلان يجأر جأرا وجؤارا ، إذا رفع صوته بالدعاء وتضرع واستغاث وأصله : صياح الوحش. ثم استعمل في رفع الصوت بالدعاء والاستغاثة.
أى : كل ما يصاحبكم من نعمة فهو من الله ـ تعالى ـ فكان من الواجب عليكم أن تشكروه على ذلك ، ولكنكم لم تفعلوا ، فإنكم إذا نزل بكم الضر ، صحتم بالدعاء ، ورفعتم أصواتكم بالتضرع ، ليكشف عنكم ما حل بكم ، فإذا ما كشف ـ سبحانه ـ عنكم الضر ، سرعان ما يقع فريق منكم في الشرك الذي نهى الله ـ تعالى ـ عنه.
و «ثم» في هاتين الآيتين للتراخي الرتبى ، لبيان الفرق الشاسع بين حالتهم الأولى وحالتهم الثانية.
والتعبير بالمس في قوله «ثم إذا مسكم الضر ..» للإيماء بأنهم بمجرد أن ينزل بهم الضر ولو نزولا يسيرا ، جأروا إلى الله ـ تعالى ـ بالدعاء لكشفه.
وقدم ـ سبحانه ـ الجار والمجرور في قوله «فإليه تجأرون» لإفادة القصر ، أى إليه وحده ترفعون أصواتكم بالدعاء ليرفع عنكم ما نزل بكم من بلاء ، لا إلى غيره ؛ لأنكم تعلمون أنه لا كاشف للضر إلا هو ـ سبحانه ـ.
و «إذا» الأولى في قوله «ثم إذا كشف ..» شرطية والثانية وهي قوله «إذا فريق منكم ..» فجائية ، وهي جواب الأولى.
وهذا التعبير يشير إلى مسارعة فريق من الناس ، إلى جحود نعم الله ـ تعالى ـ بمجرد أن يكشف عنهم الضر بدون تريث أو تمهل.
وقال ـ سبحانه ـ (فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ) لتسجيل الشرك على هذا الفريق ولإنصاف غيره من المؤمنين الصادقين ، الذين يشكرون الله ـ تعالى ـ في جميع الأحوال ، ويواظبون على أداء ما كلفهم به في السراء والضراء.
وهذا المعنى الذي تضمنته هاتان الآيتان ، قد جاء ما يشبهه في آيات كثيرة منها