لامتناع. أى : حرف شرط يدل على امتناع وقوع جوابه ، لأجل امتناع وقوع شرطه ، وقد امتنع هنا إهلاك الناس ، لامتناع إرادة الله ـ تعالى ـ ذلك.
وقوله «يؤاخذ» مفاعلة من المؤاخذة بمعنى العقوبة ، فالمفاعلة فيه بمعنى الفعل المجرد. فمعنى آخذ الله ـ تعالى ـ الناس يؤاخذهم : أخذهم وعاقبهم بسبب ذنوبهم.
والأخذ بمعنى العقاب قد جاء في القرآن الكريم في آيات كثيرة : ومن ذلك قوله ـ تعالى ـ (وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) (١).
والباء في «بظلمهم» للسببية ، والظلم : مجاوزة الحدود التي شرعها الله ـ تعالى ـ وأعظمه الإشراك بالله ـ تعالى ـ كما قال ـ تعالى ـ (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ).
والمراد من المؤاخذة بسبب ظلمهم : تعجيل العقوبة لهم في الدنيا.
والضمير في قوله ـ سبحانه ـ «عليها» يعود على الأرض. وصح عود الضمير عليها مع أنه لم يسبق ذكر لها ، لأن قوله «من دابة» يدل على ذلك لأنه من المعلوم ، أن الدواب تدب على الأرض.
ونظيره قوله ـ تعالى ـ في آية أخرى (ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ) وقوله (حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ) أى : الشمس. فإنه وإن كان لم يجر لها ذكر إلا أن المقام يدل عليها.
ورجوع الضمير إلى غير مذكور في الكلام إلا أن المقام يدل عليه كثير في كلام العرب ، ومنه قول حاتم الطائي :
أماوى ما يغنى الثراء عن الفتى |
|
إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر |
فقوله : حشرجت وضاق بها ، المقصود به الروح أو النفس ، ولم يجر لها ذكر ، إلا أن قوله : وضاق بها الصدر ، يعين أن المراد بها النفس.
والمراد بالساعة في «لا يستأخرون عنه ساعة» مطلق الوقت الذي هو غاية في القلة.
والمعنى : ولو عاجل الله ـ تعالى ـ الناس بالعقوبة ، بسبب ما اجترحوه من ظلم وآثام ، لأهلكهم جميعا ، وما ترك على ظهر الأرض من دابة تدب عليها ، ولكنه ـ سبحانه ـ فضلا منه وكرما ، لا يعاجلهم بالعقوبة التي تستأصلهم بل يؤخرهم «إلى أجل مسمى» أى : إلى وقت معين محدد تنتهي عنده حياتهم ، وهذا الوقت المحدد لا يعلمه إلا هو ـ سبحانه ـ «فإذا
__________________
(١) سورة هود الآية ١٠٢.