وفي كل إنسان ، وليس هذا بأول لفظ خصص في القرآن فالقرآن مملوء منه ، ولغة العربي يأتى فيها العام كثيرا بمعنى الخاص ، والخاص بمعنى العام.
ومما يدل على هذا ، أن العسل نكرة في سياق الإثبات فلا يكون عاما باتفاق أهل اللسان. ومحققي أهل الأصول. وتنكيره إن أريد به التعظيم لا يدل إلا على أن فيه شفاء عظيما لمرض ، أو أمراض ، لا لكل مرض ، فإن تنكير التعظيم لا يفيد العموم.
ثم قال : قلت : وحديث البخاري : أن أخى استطلق بطنه .. أوضح دليل على ما ذهبت إليه طائفة من تعميم الشفاء ، لأن قوله صلىاللهعليهوسلم «صدق الله» أى : أنه شفاء فلو كان لبعض دون بعض لم يكرر الأمر بالسقيا» (١).
والذي نراه ، أن من الواجب علينا أن نؤمن إيمانا جازما بأن العسل المذكور فيه شفاء للناس ، كما صرح بذلك القرآن الكريم ، وكما أرشد إلى ذلك النبي صلىاللهعليهوسلم.
وعلينا بعد ذلك أن نفوض أمر هذا الشفاء وعموميته وخصوصيته لعلم الله ـ تعالى ـ وقدرته وحكمته ويكفينا يقينا في هذا المجال ، إصرار النبي صلىاللهعليهوسلم على أن يقول للرجل الذي استطلق بطن أخيه أكثر من مرة ، «اذهب فاسقه عسلا».
وقد تولى كثير من الأطباء شرح هذه الآية الكريمة شرحا علميا وافيا ، وبينوا ما اشتمل عليه عسل النحل من فوائد (٢).
ثم ختم ـ سبحانه ـ : الآية الكريمة بقوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).
أى : إن في ذلك الذي ذكرناه لكم من أمر النحل ؛ من إلهامها اتخاذ البيوت العجيبة ، ومن إدارتها لشئون حياتها بدقة متناهية ، ومن سلوكها الطرق التي جعلها الله مذللة في ذهابها وإيابها للحصول على قوام حياتها ، ومن خروج العسل من بطونها ... إن في ذلك وغيره ، لآية باهرة ، وعبرة ظاهرة ، ودلالة جلية ، على وحدانية الله ـ تعالى ـ وقدرته ، وحكمته ، لقوم يحسنون التفكير فيما أخبرهم الله ـ تعالى ـ عنه ، ويوقنون بأن لهذا الكون ربا واحدا لا إله الا هو (تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ).
وإلى هنا تكون الآيات الكريمة قد ساقت لنا ألوانا من عجائب صنع الله في خلقه ، كاستخراج اللبن من بين فرث ودم ، وكاتخاذ السكر والرزق الحسن من ثمرات النخيل والأعناب ، وكاستخراج العسل الذي فيه شفاء للناس من بطون النحل.
__________________
(١) تفسير فتح البيان ج ٥ ص ٢٦٧ للشيخ صديق خان.
(٢) راجع على سبيل المثال كتاب : الإسلام والطب الحديث» للدكتور عبد العزيز إسماعيل.