لعباده المؤمنين ، وتعليمهم كيف يقذفون بحقهم على باطل أعدائهم فإذا هو زاهق.
ثم ختم ـ سبحانه ـ الآية الكريمة بقوله (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) أى : بل أكثر هؤلاء الكافرين الضالين ، لا يعلمون كيف يميزون بين الحق والباطل لانطماس بصائرهم ، واستيلاء الجحود والحسد والعناد على قلوبهم.
وقال ـ سبحانه ـ (بَلْ أَكْثَرُهُمْ ..) للإشعار بأن من هؤلاء الكافرين من يعلم الحق ويعرفه كما يعرف أبناءه ، ولكن الهوى والغرور والتقليد الباطل .. حال بينه وبين اتباع الحق.
هذا هو المثال الأول الذي ذكره الله ـ تعالى ـ للاستدلال على بطلان التسوية بين عبادة الله ـ تعالى ـ الخالق لكل شيء والمالك لكل شيء .. وبين عبادة غيره من الأصنام والجمادات التي لا تخلق شيئا ، ولا تملك شيئا ، ولا تضر ولا تنفع.
أما المثال الثاني فهو أشد وضوحا من سابقه على وحدانية الله ـ تعالى ـ ورحمته بعباده ، وعلى الفرق الشاسع بين المؤمن والكافر ، ويتجلى هذا المثال في قوله ـ عزوجل ـ : (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ ..).
أى : وذكر الله ـ تعالى ـ مثلا آخر لرجلين ، (أَحَدُهُما أَبْكَمُ) أى : لا يستطيع النطق أو الكلام ، ضعيف الفهم والتفهيم لغيره.
(لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ) أى : لا يقدر على فعل شيء من الأشياء المتعلقة بنفسه أو بغيره.
(وَهُوَ) أى هذا الرجل (كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ) أى : حمل ثقيل ، وهم كبير على مولاه الذي يتولى شئونه من طعام وشراب وكساء وغير ذلك. وهذا بيان لعدم قدرته على القيام بمصالح نفسه ، بعد بيان عدم قدرته على القيام بفعل أى شيء على الإطلاق.
قال القرطبي : قوله (وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ) أى ثقل على وليه وقرابته ، ووبال على صاحبه وابن عمه ، وقد يسمى اليتيم كلا لثقله على من يكفله ، ومنه قول الشاعر :
أكول لمال الكلّ قبل شبابه |
|
إذا كان عظم الكلّ غير شديد (١) |
فالكل هو الإنسان العاجز الضعيف الذي يكون محتاجا إلى من يرعى شئونه.
وقوله (أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ) أى : أن هذا الرجل حيثما يوجهه مولاه وكافله لقضاء أمر من الأمور يعود خائبا ، لعجزه ، وضعف حيلته ، وقلة إدراكه ..
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٠ ص ١٤٩.