الحر ينفق على غيره من هذا الرزق الحسن «سرا وجهرا» واختار ـ سبحانه ـ ضمير العظمة في قوله (رَزَقْناهُ) للإشعار بكثرة هذا الرزق وعظمته ، ويزيده كثرة وعظمة قوله ـ تعالى ـ بعد ذلك (مِنَّا) أى ؛ من عندنا وحدنا وليس من عند غيرنا.
ووصف ـ سبحانه ـ الرزق بالحسن ، للإشارة إلى أنه مع كثرته فهو حلال طيب مستحسن في الشرع وفي نظر الناس.
وقال ـ سبحانه ـ (فَهُوَ يُنْفِقُ) بصيغة الجملة الاسمية ، للدلالة على ثبوت هذا الإنفاق ودوامه.
وقوله (سِرًّا وَجَهْراً) منصوبان على المصدر ، أى إنفاق سر وجهر ، أو على الحالية ، أى فهو ينفق منه في حالتي السر والجهر.
والمراد أنه إنسان كريم ، لا يبخل بشيء مما رزقه الله ، بل ينفق منه في عموم الأحوال ، وعلى من تحسن معه النفقة سرا ، وعلى من تحسن معه النفقة جهرا.
هذان هما الجانبان المتقابلان في هذا المثل ، والفرق بينهما واضح وعظيم عند كل ذي قلب سليم ، ولذا جاء بعدهما بالاستفهام الإنكارى التوبيخي فقال :
(هَلْ يَسْتَوُونَ)؟ أى : هل يستوي في عرفكم أو في عرف أى عاقل ، هذا العبد المملوك العاجز الذي لا يقدر على شيء .. مع هذا الإنسان الحر. المالك الذي رزقه الله ـ سبحانه ـ رزقا واسعا حلالا ، فشكر الله عليه ، واستعمله في وجوه الخير.
إن مما لا شك فيه أنهما لا يستويان حتى في نظر من عنده أدنى شيء من عقل.
ومادام الأمر كذلك ، فكيف سويتم ـ أيها المشركون الجهلاء ـ في العبادة ، بين الخالق الرازق الذي يملك كل شيء ، وبين غيره من المعبودات الباطلة التي لا تسمع ولا تبصر ، ولا تعقل ، ولا تملك شيئا.
وقال ـ سبحانه ـ (هَلْ يَسْتَوُونَ) مع أن المتقدم اثنان ، لأن المراد جنس العبيد والأحرار ، المدلول عليهما بقوله (عَبْداً) وبقوله (وَمَنْ رَزَقْناهُ).
فالمقصود بالمثل كل من اتصف بهذه الأوصاف المذكورة من الجنسين المذكورين لا فردان معينان.
وقوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) ثناء منه ـ سبحانه ـ على ذاته ، حيث ساق ـ سبحانه ـ هذه الأمثال الواضحة للتمييز بين الحق والباطل.
أى : قل ـ أيها الإنسان المؤمن العاقل ـ «الحمد» كله «لله» ـ تعالى ـ على إرشاده