أى : فلا تتجاسروا ، وتتطاولوا ، وتضربوا لله ـ تعالى ـ الأمثال ، كما يضرب بعضكم لبعض ، فإن الله ـ تعالى ـ هو الذي يعلم كيف تضرب الأمثال وأنتم لا تعلمون ذلك.
قال الزجاج : ورد أن المشركين كانوا يقولون : إن إله العالم أجل من أن يعبده الواحد منا ، فكانوا يتوسلون إلى الأصنام والكواكب ، كما أن أصاغر الناس يخدمون أكابر حضرة الملك ، وأولئك الأكابر يخدمون الملك ، فنهوا عن ذلك (١).
ثم وضح لهم ـ سبحانه ـ كيف تضرب الأمثال ، فساق مثلين حكيمين يدلان على وحدانية الله ـ تعالى ـ وقدرته ..
أما المثل الأول فيتجلى في قوله ـ عزوجل ـ : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ ..). أى : ذكر الله ـ تعالى ـ وبين ووضح لكم مثلا تستدلون به على وحدانيته ـ سبحانه ـ وهو أن هناك عبدا رقيقا مملوكا لغيره ، وهذا العبد لا يقدر على شيء من التصرفات حتى ولو كانت قليلة.
وقوله ـ سبحانه ـ : (عَبْداً) بدل من (مَثَلاً) و «مملوكا» صفة للعبد. ووصف ـ سبحانه ـ العبد بأنه مملوك ، ليحصل الامتياز بينه وبين الحر ، لأن كليهما يشترك في كونه عبدا لله ـ تعالى ـ.
ووصفه أيضا ـ بأنه لا يقدر على شيء للتمييز بينه وبين المكاتب والعبد المأذون له في التصرف ، لأنهما يقدران على بعض التصرفات.
هذا هو الجانب الأول من المثل ، أما الجانب الثاني فيتجلى في قوله ـ تعالى ـ : (وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً ...).
قال الآلوسى : و «من» في قوله (وَمَنْ رَزَقْناهُ) نكرة موصوفه ، ليطابق عبدا فإنه نكرة موصوفة ـ أيضا ـ ، وقيل : إنها موصولة ، والأول اختيار الأكثرين أى : حرا رزقناه بطريق الملك ، والالتفات إلى التكلم ـ في «رزقناه» ـ للإشعار باختلاف حال ضرب المثل والرزق ...» (٢).
أى : ذكر الله ـ تعالى ـ لكم لتتعظوا وتتفكروا ، حال رجلين : أحدهما عبد مملوك لا يقدر على شيء. والثاني حر مالك رزقه الله ـ تعالى ـ رزقا واسعا حلالا حسنا ، «فهو» أى هذا
__________________
(١) تفسير فتح القدير للشيخ صديق حسن خان ج ٥ ص ٢٧٣.
(٢) تفسير الآلوسى ج ١٤ ص ١٩٥.