قال ابن كثير : حذر الله ـ تعالى ـ عباده عن اتخاذ الأيمان دخلا ، أى : خديعة ومكرا ، لئلا تزل قدم بعد ثبوتها ؛ مثل لمن كان على الاستقامة وحاد عنها ، وزل عن طريق الهدى بسبب الأيمان الحانثة ، المشتملة على الصد عن سبيل الله ، لأن الكافر إذا رأى أن المؤمن قد عاهده ثم غدر به ، لم يبق له وثوق بالدين ، فانصد بسببه عن الدخول في الإسلام (١).
وقوله : (وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) لا يعلم مقدار شدته وهو له إلا الله ـ عزوجل ـ فأنت ترى أن الآية الكريمة قد رتبت على اتخاذ الأيمان دخلا ، انقلاب حالة الإنسان من الخير إلى الشر ، ونزول العذاب الدنيوي والأخروى به.
ثم نهاهم ـ سبحانه ـ عن أن يبيعوا دينهم بدنياهم فقال ـ تعالى ـ : (وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً).
والاشتراء هنا : استعارة للاستبدال ، والذي استبدل به الثمن القليل هو الوفاء بعهد الله.
والمراد بعهد الله ـ تعالى ـ : أوامره ونواهيه التي كلفنا بالتزامها والعمل بمقتضاها.
والمراد بالثمن القليل : حظوظ الدنيا وشهواتها وزينتها من الأموال وغيرها.
والمعنى : ولا تستبدلوا بأوامر الله ـ تعالى ـ ونواهيه ، عرضا قليلا من أعراض الدنيا الزائلة ، بأن تنقضوا عهودكم في مقابل منفعة دنيوية زائلة.
وليس وصف الثمن بالقلة في قوله : (ثَمَناً قَلِيلاً) من الأوصاف المخصصة للنكرات ، بل هو من الأوصاف اللازمة للثمن المحصل في مقابل عدم الوفاء بالعهد ، إذ لا يكون إلا قليلا وإن بلغ ما بلغ من أعراض الدنيا بجانب رضا الله ـ تعالى ـ.
ورحم الله الإمام ابن كثير ، فقد قال عند تفسيره لهذه الآية الكريمة : (وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً) أى : لا تعتاضوا عن الأيمان بالله عرض الحياة الدنيا وزينتها ، فإنها قليلة ، ولو حيزت لابن آدم الدنيا بحذافيرها لكان ما عند الله هو خير له (٢).
ثم رغبهم ـ سبحانه ـ فيما عنده فقال : (إِنَّما عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ).
أى : إن ما ادخره الله ـ تعالى ـ لكم من ثواب عظيم ، وأجر جزيل ، وحياة طيبة ، هو خير لكم من ذلك الثمن القليل الذي تتطلعون إليه ، وتنقضون العهود من أجله ، إن كنتم من أهل العلم والفطنة ، الذين يؤثرون الباقي على الفاني.
__________________
(١ ، ٢) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٥٨٥.