أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٩٧)
فقوله ـ سبحانه ـ (وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ) تصريح بالنهى عن اتخاذ الإيمان من أجل الغش والخديعة ، بعد النهى عن نقض العهود بصفة عامة. أى : ولا تتخذوا ـ أيها المؤمنون ـ الحلف بالله ـ تعالى ـ ذريعة إلى غش الناس وخداعهم واستلاب حقوقهم ، فقد جرت عادة الناس أن يطمئنوا إلى صدق من يقسم بالله ـ تعالى ـ ، فلا تجعلوا هذا الاطمئنان وسيلة للكذب عليهم ، ولإفساد ما بينكم وبينهم من مودة.
ثم رتب ـ سبحانه ـ على هذا النهى ما من شأنه أن يردع النفوس عن اتخاذ الأيمان دخلا فقال : (فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها) وأصل الزلل الخروج عن الطريق السليم. يقال : زل فلان يزل زللا وزلولا ، إذا دحضت قدمه ولم تصب موضعها الصحيح أى : لا تتخذوا أيمانكم وسيلة للخديعة والإفساد بين الناس ، فتزل أقدامكم عن طريق الإسلام بعد ثبوتها عليها ، ورسوخها فيها ، قالوا : والجملة الكريمة مثل يضرب لكل من وقع في بلية ومحنة ، بعد أن كان في عافية ونعمة.
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : لم وحدت القدم ونكرت؟ قلت لاستعظام أن تزل قدم واحدة عن طريق الحق. بعد أن ثبتت عليه ، فكيف بأقدام كثيرة (١)؟.
وقوله (وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) بيان لما يصيبهم من عذاب دنيوى بسبب اتخاذ أيمانهم دخلا بينهم. أى : وتذوقوا السوء وهو العذاب الدنيوي من المصائب والخوف والجوع ، بسبب صدودكم وإعراضكم عن أوامر الله ونواهيه ، أو بسبب صدكم لغيركم عن الدخول في دين الله ، حيث رأى منكم ما يجعله ينفر منكم ومن دينكم.
والتعبير بتذوقوا فيه إشارة إلى أن العذاب الدنيوي الذي سينزل بهم بسبب اتخاذهم أيمانهم دخلا بينهم ، سيكون عذابا شديدا يحسون آلامه إحساسا واضحا ، كما يحس الشارب للشيء المر مرارته ، ويتذوق آلامه.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٤٢٧.