عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) (١٠٠)
والمراد بقوله ـ تعالى ـ : (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ ..) أى فإذا أردت قراءته. فالكلام على حذف الإرادة ، وذلك لأن المعنى الذي طلبت من أجله الاستعاذة وهو دفع وسوسة الشيطان يقتضى أن يبدأ القارئ بها ـ أى بالاستعاذة ـ قبل القراءة لا بعدها وشبيه بهذه الآية في حذف الإرادة لدلالة المقام عليها قوله ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ ..) (١) أى : إذا أردتم القيام إلى الصلاة فاغسلوا.
وقوله ـ تعالى ـ : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ) (٢) أى : أردنا إهلاكها فجاءها بأسنا.
والمعنى : فإذا أردت ـ أيها المسلم ـ قراءة القرآن (فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) أى : فاستجر بالله ، والتجئ إلى حماه (مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ).
قال ابن كثير : والشيطان في لغة العرب ، كل متمرد من الجن والإنس والدواب وكل شيء ، وهو مشتق من شطن بمعنى بعد ، فهو بعيد بطبعه عن طباع البشر ، وبعيد بفسقه عن كل خير ...» (٣).
والرجيم بزنة فعيل بمعنى مفعول. أى : أنه مرجوم ومطرود من رحمة الله ـ تعالى ـ.
قال بعض العلماء : وإنما خصت القراءة بطلب الاستعاذة ، مع أنه قد أمر بها على وجه العموم في جميع الشئون ، لأن القرآن مصدر هداية ، والشيطان مصدر ضلال ، فهو يقف للإنسان بالمرصاد في هذا الشأن على وجه خاص ، فيثير أمامه ألوانا من الشكوك فيما يفيد من قراءته ، وفيما يقصد بها ، فيفوت عليه الانتفاع بهدى الله وآياته. فعلمنا الله ـ تعالى ـ أن نتقي ذلك كله بهذه الاستعاذة التي هي في الواقع عنوان صادق ، وتعبير حق ، عن امتلاء قلب
__________________
(١) سورة المائدة الآية ٦.
(٢) سورة الأعراف الآية ٤.
(٣) تفسير ابن كثير ج ١ ص ١٤.