وفي قوله (مِنْ رَبِّكَ) تكريم وتشريف للرسول صلىاللهعليهوسلم حيث اختص ـ سبحانه ـ هذا النبي الكريم بإنزال القرآن عليه ، بعد أن رباه برعايته ، وتولاه بعنايته.
وقوله (بِالْحَقِ) في موضع الحال ، أى : نزله إنزالا ملتبسا بالحكمة المقتضية له ، بحيث لا يفارقها ولا تفارقه.
وقوله : (لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ) بيان للوظيفة التي من أجلها نزل القرآن الكريم ، وهي وظيفة تسعد المؤمنين وحدهم ، أما الكافرون فهم بعيدون عنها.
ثم حكى ـ سبحانه ـ بعد ذلك مقولة أخرى من مقولات المشركين فقال ـ تعالى ـ : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ...).
قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية ما ملخصه : يقول ـ تعالى ـ مخبرا عن المشركين ما كانوا يقولونه من الكذب والافتراء : إن محمدا صلىاللهعليهوسلم إنما يعلمه هذا الذي يتلوه علينا من القرآن بشر ، ويشيرون إلى رجل أعجمى كان بياعا يبيع عند الصفا ، وربما كان النبي صلىاللهعليهوسلم يجلس إليه ويكلمه بعض الشيء ، وذاك كان أعجمى اللسان لا يعرف إلا اليسير من العربية.
وعن عكرمة وقتادة كان اسم ذلك الرجل «يعيش» ، وعن ابن عباس كان اسمه «بلعام» ، وكان أعجمى اللسان ، وكان المشركون يرون رسول الله صلىاللهعليهوسلم يدخل عليه ويخرج من عنده ، فقالوا : إنما يعلمه بلعام ، فأنزل الله هذه الآية (١).
والمعنى : ولقد نعلم ـ أيها الرسول الكريم ـ علما مستمرا لا يعزب عنه شيء مما يقوله المشركون في شأنك ، من أنك تتعلم القرآن من واحد من البشر.
قال الآلوسى : وإنما لم يصرح القرآن باسم من زعموا أنه يعلمه ـ عليه الصلاة والسلام ـ مع أنه أدخل في ظهور كذبهم ، للإيذان بأن مدار خطئهم ، ليس بنسبته صلىاللهعليهوسلم إلى التعلم من شخص معين ، بل من البشر كائنا من كان ، مع كونه صلىاللهعليهوسلم معدنا لعلوم الأولين والآخرين (٢).
وقوله ـ تعالى ـ : (لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ ، وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) رد عليهم فيما زعموه وافتروه.
والمراد باللسان هنا : الكلام الذي يتكلم به الشخص ، واللغة التي ينطق بها.
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٥٨٦.
(٢) تفسير الآلوسى ج ١٤ ص ٢٣٣.