وقوله : (يُلْحِدُونَ) من الإلحاد بمعنى الميل. يقال لحد وألحد ، إذا مال عن القصد ، وسمى الملحد بذلك ، لأنه أمال مذهبه عن الأديان كلها.
والأعجمي : نسبة إلى الأعجم : وهو الذي لا يفصح في كلامه سواء أكان من العرب أم من العجم. وزيدت فيه ياء النسب على سبيل التوكيد.
والمعنى : لقد كذبتم ـ أيها المشركون ـ كذبا شنيعا صريحا ، حيث زعمتم أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم يعلمه القرآن بشر ، مع أن لغة هذا الإنسان الذي زعمتم أنه يعلم الرسول صلىاللهعليهوسلم لغة أعجمية ، ولغة هذا القرآن لغة عربية في أعلى درجات البلاغة والفصاحة ، فقد أعجزكم بفصاحته وبلاغته ، وتحداكم وأنتم أهل اللسن والبيان أن تأتوا بسورة من مثله.
فخبروني بربكم ، من أين للأعجمى أن يذوق بلاغة هذا التنزيل وما حواه من العلوم ، فضلا عن أن ينطق به ، فضلا عن أن يكون معلما له!!.
ثم هدد ـ سبحانه ـ المعرضين عن آياته بقوله : (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ) الدالة على وحدانيته ـ سبحانه ـ وعلى صدق نبيه صلىاللهعليهوسلم فيما يبلغه عنه.
(لا يَهْدِيهِمُ اللهُ) إلى طريق الحق في الدنيا ، بسبب زيغهم وعنادهم وإيثارهم الغي على الرشد. (وَلَهُمْ) في الآخرة عذاب أليم جزاء إصرارهم على الباطل ، وإعراضهم عن الآيات التي لو تأملوها واستجابوا لها لاهتدوا إلى الصراط المستقيم.
ثم بين ـ سبحانه ـ أن افتراء الكذب لا يصدر عن المؤمنين فضلا عن الرسول الأمين ، وإنما يصدر عن الكافرين فقال ـ تعالى ـ : (إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ) أى : يختلقه ويخترعه (الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ) الدالة على وحدانيته وعلى وجوب إخلاص العبادة له ، وعلى صدق رسله ، وعلى صحة البعث يوم القيامة ، لأن عدم إيمانهم بذلك يجعلهم لا يخافون عقابا ، ولا يرجون ثوابا. (وَأُولئِكَ) الكافرون بما يجب الإيمان به (هُمُ الْكاذِبُونَ) في قولهم عن الرسول صلىاللهعليهوسلم إنما يعلمه بشر ، وفي قولهم (إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ) وفي غير ذلك من أقوالهم الباطلة ، التي حاربوا بها دعوة الحق.
قال بعض العلماء : ولا يخفى ما في الحصر بعد القصر من العناية بمقامه ـ صلوات الله عليه ـ ، وقد كان أصدق الناس وأبرهم .. بحيث كانوا يلقبونه بالصادق الأمين.
ولهذا لما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان فقال له ـ من بين ما قال ـ : هل كنتم تتهمونه