فقال صلىاللهعليهوسلم : «كلا ، إن عمارا ملئ إيمانا من قرنه إلى قدمه ، واختلط الإيمان بلحمه ودمه».
فأتى عمار رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو يبكى ، فجعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم يمسح عينيه وقال له : «مالك ، إن عادوا فعد لهم بما قلت». وفي رواية أنه قال له : «كيف تجد قلبك؟ قال مطمئن بالإيمان قال صلىاللهعليهوسلم إن عادوا فعد». فنزلت هذه الآية ..
ثم قال الآلوسى : والآية دليل على جواز التكلم بكلمة الكفر عند الإكراه ، وإن كان الأفضل أن يتجنب عن ذلك إعزازا للدين ولو تيقن القتل ، كما فعل ياسر وسمية ، وليس ذلك من إلقاء النفس إلى التهلكة ، بل هو كالقتل في الغزو كما صرحوا به. (١).
و «من» في قوله (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ) مبتدأ أو شرطية ، والخبر أو جواب الشرط محذوف والتقدير : فعليه غضب من الله ، أو فله عذاب شديد ، ويدل عليهما قوله ـ تعالى ـ بعد ذلك : (وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ).
والمعنى : من كفر بالله ـ تعالى ـ من بعد إيمانه بوحدانيته ـ سبحانه ـ وبصدق رسوله صلىاللهعليهوسلم فإنه بسبب هذا الكفر يكون قد ضل ضلالا بعيدا ، يستحق من أجله العذاب المهين.
وقوله : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) استثناء متصل من الجملة السابقة أى : إلا من أكره على النطق بكلمة الكفر ، والحال أن قلبه مطمئن بالإيمان ، ثابت عليه ، متمكن منه .. فإنه في هذه الحالة لا يكون ممن يستحقون عقوبة المرتد.
قال بعض العلماء : وأما قوله : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) فهو استثناء متصل من «من» لأن الكفر أعم من أن يكون اعتقادا فقط ، أو قولا فقط ، أو اعتقادا وقولا ... وأصل الاطمئنان سكون بعد انزعاج ، والمراد به هنا : السكون والثبات على الإيمان بعد الانزعاج الحاصل بسبب الإكراه .. (٢).
وقوله : (وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) بيان لسوء مصير من استحب الكفر على الإيمان باختياره ورضاه.
و «من» في قوله (مَنْ شَرَحَ) شرطية ، وجوابها (فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ).
أى : حكم من تلفظ بكلمة الكفر مكرها أنه لا يعتبر مرتدا ، ولكن حكم من طابت
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٤ ص ٢٣٧.
(٢) تفسير آيات الأحكام ج ٣ ص ٥٤.