(ل) ثم تسوق السورة الكريمة في أواخرها الدلائل الدالة على وحدانية الله ـ تعالى ـ وقدرته ، وتحكى جانبا من قصة موسى ـ عليهالسلام ـ مع فرعون وتؤكد أن هذا القرآن أنزله الله ـ تعالى ـ بالحق ، وبالحق نزل ، وأنه نزله مفرقا ليقرأه الناس على تؤدة وتدبر.
وكما افتتحت السورة الكريمة بالثناء على الله ـ تعالى ـ ، فقد اختتمت بحمد الله ـ تعالى ـ وتكبيره. قال ـ تعالى ـ :
(وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً).
(م) وبعد فهذا عرض إجمالى لأهم الموضوعات والمقاصد التي اشتملت عليها سورة الإسراء. ومن هذا العرض يتبين لنا ما يلى :.
١ ـ أن سورة الإسراء ـ كغيرها من السور المكية ـ قد اهتمت اهتماما بارزا بتنقية العقيدة من كل ما يشوبها من شرك أو انحراف عن الطريق المستقيم.
وقد ساقت السورة في هذا المجال أنواعا متعددة من البراهين على وحدانية الله ـ تعالى ـ وعلمه وقدرته ، ووجوب إخلاص العبادة له ، وعلى تنزيهه ـ سبحانه ـ عن الشريك ، ومن ذلك قوله ـ تعالى ـ :
(أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً. وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً. قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ ، إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً. سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً).
٢ ـ كذلك على رأس الموضوعات التي فصلت السورة الحديث عنها ، شخصية الرسول صلىاللهعليهوسلم فقد ابتدأت بإسراء الله ـ تعالى ـ به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، حيث أراه ـ سبحانه ـ من آياته ما أراه ، ثم تحدثت عن طبيعة رسالته ، وعن مزاياها ، وعن موقف المشركين منه ، وعن المطالب المتعنتة التي طلبوها منه ، وعن تثبيت الله ـ تعالى ـ له ، وعن تبشيره بحسن العاقبة ...
قال ـ تعالى ـ : (وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً).
٣ ـ من الواضح ـ أيضا ـ أن سورة الإسراء اعتنت بالحديث عن القرآن الكريم ، من حيث هدايته ، وإعجازه ، ومنع الذين لا يؤمنون به عن فقهه ، واشتماله على ما يشفى الصدور ، وتكراره للبينات والعبر بأساليب مختلفة ، ونزوله مفرقا ليقرأه الناس على مكث ..