وقوله ـ سبحانه ـ : (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ ...) إخبار من الله ـ تعالى ـ لهم ، بما سيكون منهم ، حسب ما وقع في علمه المحيط بكل شيء ، والذي ليس فيه إجبار أو قسر ، وإنما هو صفة انكشافية ، تنبئ عن مآلهم وأحوالهم.
قال أبو حيان : والفعل قضى يتعدى بنفسه إلى مفعول ، كقوله ـ تعالى ـ : (فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ ..) ولما ضمّن هنا معنى الإيحاء أو الإنفاذ تعدى بإلى أى : وأوحينا أو أنفذنا إلى بنى إسرائيل في القضاء المحتوم المثبوت وعن ابن عباس : وأعلمناهم .. (١).
والمراد بالكتاب : التوراة ، وقيل اللوح المحفوظ.
واللام في قوله (لَتُفْسِدُنَّ ...) جواب قسم محذوف تقديره : والله لتفسدن.
ويجوز أن تكون جوابا لقوله ـ تعالى ـ : (وَقَضَيْنا ...) لأنه مضمن معنى القسم ، كما يقول القائل : قضى الله لأفعلن كذا ، فيجري القضاء والقدر مجرى القسم ...
والمقصود بالأرض : عمومها أو أرض الشام.
و «مرتين» منصوب على أنه مفعول مطلق لقوله : (لَتُفْسِدُنَ) من غير لفظه ، والمراد لتفسدن إفسادتين وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَتَعْلُنَّ ..) من العلو وهو ضد السفل ، والمراد به هنا : التكبر والتجبر والبغي والعدوان.
والمعنى : وأخبرنا بنى إسرائيل في كتابهم التوراة خبرا مؤكدا : وأوحينا إليهم بواسطة رسلنا ، بأن قلنا لهم : لتفسدن في الأرض مرتين ، ولتستكبرن على الناس بغير حق ، استكبارا كبيرا ، يؤدى بكم إلى الخسران والدمار.
والتعبير عما يكون منهم من إفساد بالقضاء وأنه في الكتاب ، يدل على ثبوته ، إذ أصل القضاء ـ كما يقول القرطبي ـ الإحكام للشيء والفراغ منه.
وأكد إفسادهم واستعلاءهم بلام القسم ، للإشعار بأنه مع ثبوته ووجوده فهو مصحوب بالتجبر والتكبر والبغي والعدوان.
__________________
(١) تفسير البحر المحيط لأبي حيان ج ٦ ص ٨ طبعة دار الفكر ـ بيروت.