فالجواب : أن إخبارهم بذلك يفيد أن الله ـ عزوجل ـ لا يظلم الناس شيئا ، وإنما يعاقبهم على ما يكون منهم من إفساد ويعفو عن كثير ، وأن رحمته مفتوحة للعصاة متى تابوا وأنابوا وأصلحوا من شأن أنفسهم.
وهناك فائدة أخرى لهذا الإخبار ، وهو تنبيه العقلاء في جميع الأمم أن يحذروا من مواقعة المعاصي التي تؤدى إلى الهلاك ، وأن يحذروا أممهم من ذلك ، ويبصروهم بسوء عاقبة السير في طريق الغي ، حتى لا يعرضوا أنفسهم لعقاب الله ـ عزوجل ـ.
ومن فوائد إيراد هذا الخبر في القرآن الكريم ، تنبيه اليهود المعاصرين للنبي صلىاللهعليهوسلم ومن على شاكلتهم في الفسوق والعصيان من المشركين ، إلى سنة من سنن الله في خلقه ، وهي أن الإفساد عاقبته الخسران.
فعلى اليهود وغيرهم من الناس أن يتبعوا الرسول صلىاللهعليهوسلم الذي ثبتت نبوته ثبوتا لا شك فيه ، لكي يسعدوا في دنياهم وآخرتهم.
ثم أشار ـ سبحانه ـ إلى الفائدة الثالثة من هذا الإخبار ، وهي أن الأمم المغلوبة على أمرها. تستطيع أن تسترد مجدها ، متى أصلحت من شأن أنفسها ، ومتى استقامت على أمر الله ـ تعالى ـ فقال ـ سبحانه ـ : (ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ ، وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ ، وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً).
ففي هذه الآية الكريمة تذكير لبنى إسرائيل بجملة من نعم الله عليهم ، بعد أن أصابهم ما أصابهم من أعدائهم.
أما النعمة الأولى فقد عبر عنها ـ سبحانه ـ بقوله : (ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ).
والكرّة : المرة من الشيء : وأصلها من الكرّ وهو الرجوع ، مصدر كريكر ـ من باب قتل ـ ، يقال : كرّ الفارس كرّا ، إذا فر للجولان ثم عاد للقتال.
والمراد بالكرة هنا : الدولة والغلبة على سبيل المجاز.
أى : ثم أعدنا لكم ـ يا بنى إسرائيل ـ الدولة والغلبة على أعدائكم الذين قهروكم وأذلوكم ، بعد أن أحسنتم العمل ، ورجعتم إلى الله ـ تعالى ـ واتبعتم ما جاءكم به رسلكم.
والتعبير بثم لإفادة الفرق الشاسع بين ما كانوا فيه من ذل وهوان ، وما أفاءه الله عليهم بعد ذلك من نصر وظفر.
قال أبو حيان : وجعل ـ سبحانه ـ (رَدَدْنا) موضع نرد ـ إذ وقت إخبارهم لم يقع