وقوله ـ سبحانه ـ (لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) صفة لموصوف محذوف ، أى يهدى الناس إلى الطريقة أو الملة التي هي أقوم.
قال صاحب الكشاف : (لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) أى : للحالة التي هي أقوم الحالات وأسدها ، أو للملة أو للطريقة. وأينما قدرت لم تجد مع الإثبات ذوق البلاغة الذي تجده مع الحذف ، لما في إيهام الموصوف بحذفه من فخامة تفقد مع إيضاحه (١).
والمعنى : إن هذا القرآن الكريم ، الذي أنزله الله ـ تعالى ـ عليك يا محمد صلىاللهعليهوسلم ، يرشد الناس ويدلهم ويهديهم ـ في جميع شئونهم الدينية والدنيوية ـ إلى الملة التي هي أقوم الملل وأعدلها ، وهي ملة الإسلام. فمنهم من يستجيب لهذه الهداية فيظفر بالسعادة ، ومنهم من يعرض عنها فيبوء بالشقاء.
قال صاحب الظلال ما ملخصه : إن هذا القرآن يهدى للتي هي أقوم في عالم الضمير والشعور ، بالعقيدة الواضحة التي لا تعقيد فيها ولا غموض ، والتي تطلق الروح من أثقال الوهم والخرافة ، وتطلق الطاقات البشرية الصالحة للعمل والبناء ، وتربط بين نواميس الكون الطبيعية ، ونواميس الفطرة البشرية في تناسق واتساق.
ويهدى للتي هي أقوم ، في التنسيق بين ظاهر الإنسان وباطنه ، وبين مشاعره وسلوكه ، وبين عقيدته وعمله.
ويهدى للتي هي أقوم في عالم العبادة ، بالموازنة بين التكاليف والطاقة ، فلا تشق التكاليف على النفس حتى تمل ، ولا تسهل حتى تشيع في النفس الرخاوة والاستهتار ، ولا تتجاوز القصد والاعتدال وحدود الاحتمال.
ويهدى للتي هي أقوم ، في علاقات الناس بعضهم ببعض : أفرادا وأزواجا وحكومات وشعوبا ، ودولا وأجناسا.
ويهدى للتي هي أقوم في نظام الحكم ، ونظام المال ، ونظام الاجتماع ، ونظام التعامل .. (٢).
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً) صفة ثانية من صفات القرآن الكريم.
أى : أن هذا القرآن بجانب هدايته للتي هي أقوم ، فهو ـ أيضا ـ يبشر المؤمنين الذين
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٤٣٩.
(٢) في ظلال القرآن ج ١٥ ص ٢٢١٥.