(دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ) أى : يدعو بالشر على نفسه أو على غيره ، كدعائه بالخير ، كأن يقول : اللهم اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين.
قال ابن كثير : يخبر ـ تعالى ـ عن عجلة الإنسان ، ودعائه في بعض الأحيان على نفسه أو ولده ، أو ماله ، (بِالشَّرِّ) أى : بالموت أو الهلاك والدمار واللعنة ونحو ذلك ، فلو استجاب له ربه لهلك بدعائه ، كما قال ـ تعالى ـ :.
(وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ ..).
وفي الحديث : «لا تدعوا على أنفسكم ولا على أموالكم ، أن توافقوا من الله ساعة إجابة يستجيب فيها» (١).
وقيل المراد بالإنسان هنا : الكافر ، أو الفاسق الذي يدعو الله ـ تعالى ـ بالشر ، كأن يسأله بأن ييسر له أمرا محرما كالقتل والسرقة والزنا وما يشبه ذلك.
وقد أشار القرطبي إلى هذا الوجه بقوله : «وقيل نزلت في النضر بن الحارث ، كان يدعو ويقول ـ كما حكى القرآن عنه ـ : (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ ، أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ).
وقيل : هو أن يدعو في طلب المحظور ، كما يدعو في طلب المباح. كما في قول الشاعر :
أطوف بالبيت فيمن يطوف |
|
وأرفع من مئزرى المسبل |
واسجل بالليل حتى الصباح |
|
وأتلو من المحكم المنزل |
عسى فارج الهم عن يوسف |
|
يسخر لي ربة المحمل (٢) |
ويبدو لنا أن الرأى الأول أقرب إلى الصواب ، لأنه المأثور عن بعض الصحابة والتابعين وهم أدرى بتفسير كتاب الله من غيرهم.
قال ابن جرير ـ رحمهالله ـ عند تفسيره لهذه الآية : عن ابن عباس قال في قوله ـ تعالى ـ : (وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ ..) يعنى قول الإنسان اللهم العنه واغضب عليه ، فلو يعجل له الله ذلك كما يعجل له الخير لهلك ...
وقال قتادة : يدعو على ماله فيلعن ماله ، ويدعو على ولده ، ولو استجاب الله له لأهلكه.
وقال مجاهد : ذلك دعاء الإنسان بالشر على ولده وعلى امرأته ولا يحب أن يجاب (٣).
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٥ ص ٤٦.
(٢) تفسير القرطبي ج ١٠ ص ٢٢٥.
(٣) تفسير ابن جرير ج ١٥ ص ٣٧.