والمراد بهم ، أصحاب الجاه والغنى والسلطان ، الذين أحاطت بهم النعم من كل جانب ، ولكنهم استعملوها في الفسوق والعصيان ، لا في الخير والإحسان.
والمعنى : وإذا قرب وقت إرادتنا إهلاك أهل قرية ، أمرنا مترفيها ، وأهل الغنى والسلطان فيها بالإيمان والعمل الصالح ، والمداومة على طاعتنا وشكرنا ، فلم يستجيبوا لأمرنا ، بل فسقوا فيها ، وعاثوا في الأرض فسادا.
وهذا الأمر إنما هو على لسان الرسول المبعوث إلى أهل تلك القرية ، وعلى ألسنة المصلحين المتبعين لهذا الرسول والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر.
وقال ـ سبحانه ـ : (وإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً ...) مع أن الهلاك لأهلها ، للإشارة إلى أن هذا الهلاك لن يصيب أهلها فقط ، بل سيصيبهم ويصيب معهم مساكنهم وأموالهم وكل ما احتوته تلك القرية ، بحيث تصير هي وسكانها أثرا بعد عين.
وخص مترفيها بالذكر مع أن الأمر بالطاعة للجميع ، لأن هؤلاء المترفين هم الأئمة والقادة ، فإذا ما استجابوا للأمر استجاب غيرهم تبعا لهم في معظم الأحيان ، ولأنهم في أعم الأحوال هم الأسرع إلى ارتكاب ما نهى اللَّه عنه ، وإلى الانغماس في المتع والشهوات.
والحكمة من هذا الأمر ، هو الإعذار والإنذار ، والتخويف والوعيد.
كما قال ـ تعالى ـ : (رُسُلًا مُبَشِّرِينَ ومُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّه حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ..) (١).
وهذا التفسير للآية الكريمة ، سار عليه جمهور المفسرين.
ولصاحب الكشاف رأى يخالف ذلك ، فهو يرى أن الأمر في الآية الكريمة مجاز عن إمدادهم بالنعم الكثيرة التي أبطرتهم.
قال ـ رحمه اللَّه ـ : قوله ـ تعالى ـ : وإِذا أَرَدْنا وإذا دنا وقت إهلاك قوم ، ولم يبق من زمان إمهالهم إلا قليل أمرناهم فَفَسَقُوا أي : أمرناهم بالفسق ففعلوا.
والأمر مجاز لأن حقيقة أمرهم بالفسق أن يقول لهم : افسقوا ، وهذا لا يكون ، فبقى أن يكون مجازا ، ووجه المجاز أنه صب عليهم النعمة صبا ، فجعلوها ذريعة إلى المعاصي واتباع الشهوات ، فكأنهم مأمورون بذلك لتسبب إيلاء النعمة فيه ، وإنما خولهم إياها ليشكروا ويعملوا فيها الخير ، ويتمكنوا من الإحسان والبر ، كما خلقهم أصحاء أقوياء ، وأقدرهم على
__________________
(١) سورة النساء الآية ١٦٥.