والذم. وقوله (مَدْحُوراً) إشارة إلى البعد والطرد عن رحمة اللَّه ـ تعالى ـ.
وهي تفيد كون تلك المضرة خالية عن شوب النفع والرحمة ، وتفيد كونها دائمة وخالية عن التبدل بالراحة والخلاص .. (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (ومَنْ أَرادَ الآخِرَةَ وسَعى لَها سَعْيَها وهُوَ مُؤْمِنٌ ، فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) بيان لحسن عاقبة المؤمنين الصادقين بعد بيان سوء عاقبة المؤثرين لمتع الدنيا وشهواتها.
أي : ومن أراد بقوله وعمله ثواب الدار الآخرة ، وما فيها من عطاء غير مقطوع ، وسعى لهذه الدار سعيها الذي يوصله إلى مرضاة اللَّه ـ تعالى ـ حالة كونه مؤمنا باللَّه ـ تعالى ـ وبكل ما يجب الإيمان به ، (فَأُولئِكَ) الذي فعلوا ذلك ، (كانَ سَعْيُهُمْ) للدار الآخرة سعيا (مَشْكُوراً) : من اللَّه ـ تعالى ـ ، حيث يقبله ـ سبحانه ـ منهم ، ويكافئهم عليه بما يستحقون من ثواب لا يعلم مقداره إلا هو ـ سبحانه ـ وعبر ـ عز وجل ـ بالسعي عن أعمالهم الصالحة ، للإشعار بجدهم وحرصهم على أداء ما يرضيه ـ تعالى ـ بدون إبطاء أو تأخير ، إذ السعي يطلق على المشي الذي تصاحبه السرعة. وأشار ـ سبحانه ـ إليهم بأولئك ، للإشعار بعلو درجاتهم وسمو مراتبهم.
قال بعض العلماء ما ملخصه : وفي الآية الدليل الواضح على أن الأعمال الصالحة لا تنفع إلا مع الإيمان باللَّه ـ تعالى ـ لأن الكفر سيئة لا تنفع معها حسنة.
ولذا قال ـ سبحانه ـ : (ومَنْ أَرادَ الآخِرَةَ وسَعى لَها سَعْيَها وهُوَ مُؤْمِنٌ ..).
وقد أوضح ـ سبحانه ـ هذا في آيات كثيرة ، منها قوله ـ تعالى ـ : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّه حَياةً طَيِّبَةً ...).
ومفهوم هذه الآية وأمثالها ، أن غير المؤمن إذا قدم عملا صالحا في الدنيا لا ينفعه في الآخرة لفقد شرط الإيمان ، قال ـ تعالى ـ : (وقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناه هَباءً مَنْثُوراً).
وروى الإمام مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك قال : قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم «إن اللَّه لا يظلم مؤمنا حسنة يعطى بها في الدنيا ، ويجزى بها في الآخرة. وأما الكافر فيطعم بحسناته ما عمل بها للَّه في الدنيا ، حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزى بها» (٢).
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ٢٠ ص ١٧٨.
(٢) تفسير أضواء البيان ج ٣ ص ٤٤٨ للشيخ محمد الأمين الشنقيطي.