والعامل في (إِذا) محذوف ، والتقدير : أنبعث أو أنحشر إذا كنا عظاما ورفاتا ، وقد دل على هذا المحذوف قوله ـ تعالى ـ : (أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ).
وقوله ـ سبحانه ـ : (قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ) أمر من الله ـ تعالى ـ لرسوله صلىاللهعليهوسلم بالرد عليهم فيما استبعدوه وأنكروه من إعادتهم الى الحياة بعد موتهم.
أى : قل لهم ـ أيها الرسول الكريم ـ على سبيل الرد على استبعادهم ، والتحقير من شأنهم ، والتعجيز لهم : «كونوا» ـ إن استطعتم ـ (حِجارَةً) كالتي تعبدونها من دون الله ، (أَوْ حَدِيداً) كالذي تستعملونه في شئون حياتكم ، (أَوْ) كونوا (خَلْقاً) أى : مخلوقا سوى الحجارة والحديد (مِمَّا يَكْبُرُ) أى : يعظم ويستبعد ـ (فِي صُدُورِكُمْ) المظلمة ـ قبوله للحياة ، قل لهم : كونوا أى شيء من ذلك أو غيره إن استطعتم ، فإن الله ـ تعالى ـ لا يعجزه أن يعيدكم إلى الحياة مرة أخرى ، لكي يحاسبكم على أعمالكم ، ويجازيكم عليها بما تستحقون من عقاب.
فالمقصود من الجملة الكريمة ، بيان أن قدرة الله ـ تعالى ـ لا يعجزها شيء ..
قال الجمل : أجابهم الله ـ تعالى ـ بما معناه : تحولوا بعد الموت إلى أى صفة تزعمون أنها أشد منافاة للحياة ، وأبعد عن قبولها ، كصفة الحجرية والحديدية ونحوهما. فليس المراد الأمر ، بل المراد أنكم لو كنتم كذلك لما أعجزتم الله ـ تعالى ـ عن الإعادة (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا) أى : فسيقولون لك ـ أيها الرسول الكريم ـ من يعيدنا إلى الحياة مرة أخرى بعد أن نكون حجارة أو حديدا أو غيرهما؟.
وقوله ـ سبحانه ـ : (قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) رد على جهالاتهم وإنكارهم للبعث والحساب.
أى : قل لهم : الله ـ تعالى ـ الذي فطركم وخلقكم ، أول مرة ، على غير مثال سابق ، قادر على أن يعيدكم الى الحياة مرة أخرى. كما قال ـ تعالى ـ : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ، وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٢).
ثم بين ـ سبحانه ـ ما يكون منهم من استهزاء وسوء أدب عند ما يسمعون من الرسول صلىاللهعليهوسلم هذه الإجابات السديدة ، فقال : (فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ ...)
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٦٢٩.
(٢) سورة الروم الآية ٢٧.