وقال الزجاج : إن قوله (يَقُولُوا) هو المقول ، وجزمه بلام الأمر محذوفة ، أى : قل لهم ليقولوا ... (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ) تعليل للأمر السابق.
أى : إن الشيطان يتربص بكم ، ويتلمس السقطات التي تقع من أفواهكم ، والعثرات التي تنطق بها ألسنتكم ، لكي يشيع الشر بينكم ، ويبذر بذور الشر والبغضاء في صفوفكم ، ويهيج أعداءكم عليكم.
وينزغ بمعنى يفسد. يقال : نزغه ـ كنفعه ـ ينزغه ، إذا طعن فيه واغتابه ، وقوله : (إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً) تعليل لحرص الشيطان على الإفساد بينهم.
أى إن الشيطان حريص على الإفساد بين الناس ، لأنه ظاهر العداوة لهم منذ القدم ولقد حذرنا الله ـ سبحانه ـ من الشيطان وكيده في كثير من آيات القرآن الكريم ، ومن ذلك قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ، إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ) (٢).
وقوله ـ تعالى ـ : (يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما. إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) (٣).
قال الإمام ابن كثير ما ملخصه : يأمر الله ـ تبارك وتعالى ـ عبده ورسوله صلىاللهعليهوسلم أن يأمر عباد الله المؤمنين ، أن يقولوا في مخاطباتهم ومحاوراتهم الكلام الأحسن ، والكلمة الطيبة ، فإنهم إن لم يفعلوا ذلك نزغ الشيطان بينهم ، وأخرج الكلام إلى الفعال ، ووقع الشر والمخاصمة والمقاتلة ، فإنه عدو لآدم وذريته .. وعداوته ظاهرة بينة ، ولهذا نهى أن يشير الرجل إلى أخيه المسلم بحديدة ، فإن الشيطان ينزغ في يده. أى : فربما أصابه بها.
روى الإمام أحمد عن أبى هريرة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «لا يشيرن أحدكم إلى أخيه بالسلاح ، فإنه لا يدرى أحدكم ، لعل الشيطان أن ينزغ في يده ، فيقع في حفرة من النار (٤).
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٥ ص ٩٤.
(٢) سورة فاطر. الآية ٦.
(٣) سورة الأعراف الآية ٢٧.
(٤) تفسير ابن كثير ج ٣ ص ٤٥.