وقوله (مُبْصِرَةً) أى : معجزة واضحة ، يراها الناس بأعينهم بدون خفاء أو لبس ..
قال الجمل : (مُبْصِرَةً) بكسر الصاد ـ باتفاق السبعة ، والإسناد مجازى. أى : يبصرونها خارجة من الصخرة. وقرئ شاذا بفتح الصاد. ثم قال : وفي السمين : مبصرة حال. وهو إسناد مجازى ، إذ المراد إبصار أهلها ، ولكنها لما كانت سببا في الإبصار نسب إليها ، والظاهر أن المراد الإبصار المعنوي ، وهو الاهتداء بها ، والتوصل بها ، إلى تصديق نبيهم ، وعلى هذا تظهر السببية ، فإن وجودها سبب في هذا المعنى ...» (١).
وقال الآلوسى : وقوله : (مُبْصِرَةً) على صيغة اسم الفاعل حال من الناقة ، والمراد : ذات إبصار ، أو ذات بصيرة يبصرها الغير ويتبصر بها ، فالصيغة للنسب ....» (٢).
والمعنى : لقد تركنا إجابة المطالب التي اقترحها قومك ـ يا محمد ـ ، رحمة بهم ، لأننا لو أعطيناهم إياهم ثم استمروا في تكذيبهم لك لأهلكناهم كما أهلكنا السابقين. فقد أجبنا قوم صالح ـ عليهالسلام ـ إلى ما طلبوه من نبيهم ، بأن أخرجنا لهم الناقة ، وجعلناها معجزة واضحة نيرة في الدلالة على صدقه ، فقابلوها بالتكذيب والجحود ، وظلموا أنفسهم وعرضوها للهلاك بسبب عقرها.
قال ـ تعالى ـ : (فَعَقَرُوا النَّاقَةَ ، وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ ، وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ. فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ) (٣).
وقال ـ سبحانه ـ : (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها. إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها. فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ ناقَةَ اللهِ وَسُقْياها. فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها. وَلا يَخافُ عُقْباها) (٤).
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً) تذييل قصد به الزجر عن تكذيب ما يأتى به الأنبياء من هدايات ومعجزات تدل على صدقهم.
والباء في قوله (بِالْآياتِ) للملابسة ، ومفعول ، نرسل ، محذوف ، و (تَخْوِيفاً) مفعول لأجله.
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٦٣٢.
(٢) تفسير الآلوسى ج ١٥ ص ١٠٤.
(٣) سورة الأعراف الآيتان ٧٧ ، ٧٨.
(٤) سورة الشمس الآيات ١١ ـ ١٥.