تلك الليلة من عجائب سماوية وأرضية ، أو أطلق عليه ذلك بسبب أن ما رآه قد كان ليلا. وقد كان في سرعته كأنه رؤيا منامية.
وكان ما رآه صلىاللهعليهوسلم في تلك الليلة فتنة للناس ، لأنه لما قص عليهم ما رآه ، ارتد بعضهم عن الإسلام ، وتردد البعض الآخر في قبوله ، وضاقت عقولهم عن تصديقه ، زاعمة أنه لا يمكن أن يذهب صلىاللهعليهوسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، ثم يعرج إلى السموات العلا .. ثم يعود إلى مكة ، كل ذلك في ليلة واحدة.
وبعضهم يرى أن المراد بالرؤيا هنا : ما رآه النبي صلىاللهعليهوسلم من أنه سيدخل مكة هو وأصحابه ..
وبعضهم يرى أن المراد بها هنا : ما أراه الله ـ تعالى ـ لنبيه في منامه ، من مصارع المشركين قبل غزوة بدر ؛ فقد قال صلىاللهعليهوسلم قبل بدء المعركة : والله لكأنى أنظر إلى مصارع القوم. ثم أومأ إلى الأرض وقال : هذا مصرع فلان. وهذا مصرع فلان.
والذي نرجحه هو الرأى الأول ، لأنه هو الظاهر من معنى الآية الكريمة ، ولأنه على الرأيين الثاني والثالث يترجح أن الآية مدنية ، لأن غزوة بدر وفتح مكة كانا بعد الهجرة ، والتحقيق أن هذه الآية مكية.
قال القرطبي ما ملخصه : قوله ـ تعالى ـ : (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ ..) لما بين أن إنزال آيات القرآن تتضمن التخويف ، ضم إليه ذكر آية الإسراء ، وهي المذكورة في صدر السورة. وفي البخاري والترمذي عن ابن عباس في قوله ـ تعالى ـ : (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) قال : هي رؤيا عين أريها النبي صلىاللهعليهوسلم ليلة أسرى به إلى بيت المقدس ...
وكانت الفتنة ارتداد قوم كانوا أسلموا حين أخبرهم النبي صلىاللهعليهوسلم أنه أسرى به.
وقيل : كانت رؤيا نوم. وهذه الآية تقضى بفساده ، وذلك أن رؤيا المنام لا فتنة فيها ، وما كان أحد لينكرها.
وعن ابن عباس قال : الرؤيا التي في هذه الآية ، رؤيا رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه يدخل مكة في سنة الحديبية ـ فرده المشركون عن دخولها في تلك السنة ـ ، فافتتن بعض المسلمين لذلك ، فنزلت هذه الآية .. وفي هذا التأويل ضعف. لأن السورة مكية ، وتلك الرؤيا كانت بالمدينة ...» (١).
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٠ ص ٢٨٢.