يقال : كل مولود ولدته أنثى ، عصى الله فيه ، بتسميته بما يكرهه الله ، أو بإدخاله في غير الدين الذي ارتضاه الله ، أو بالزنا بأمه ، أو بقتله أو وأده ، أو غير ذلك من الأمور التي يعصى الله بفعله به أو فيه ، فقد دخل في مشاركة إبليس فيه ، من ولد ذلك الولد له أو منه ، لأن الله لم يخصص بقوله : (وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ) معنى الشركة فيه ، بمعنى دون معنى ، فكل ما عصى الله فيه أو به ، أو أطيع الشيطان فيه أو به فهو مشاركة ...» (١).
وقد علق الإمام ابن كثير على كلام ابن جرير بقوله : وهذا الذي قاله ـ ابن جرير ـ متجه ، فقد ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «يقول الله ـ عزوجل ـ إنى خلقت عبادي حنفاء ، فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم ، وحرمت عليهم ما أحللت لهم».
وفي الصحيحين أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «لو أن أحدهم إذا أراد أن يأتى أهله قال : باسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ، فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره الشيطان أبدا» (٢).
وقوله : (وَعِدْهُمْ) أى : وعدهم بما شئت من المواعيد الباطلة الكاذبة. كأن تعدهم بأن الدنيا هي منتهى آمالهم. فعليهم أن يتمتعوا بها كيف شاءوا ، بدون تقيد بشرع أو دين أو خلق. وكأن تعدهم بأنه ليس بعد الموت حساب أو ثواب أو عقاب ، أو جنة أو نار ...
وقوله سبحانه (وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً) تحذير من الله تعالى لعباده من اتباع الشيطان ، ومن السير وراء خطواته.
وأصل الغرور تزين الباطل بما يوهم أنه حق. يقال : غر فلان فلانا فهو يغره غرورا إذا خدعه ، وأصله من الغرّ ، وهو الأثر الظاهر من الشيء ، ومنه غرة الفرس لأنها أبرز ما فيه. ولفظ (غُرُوراً) صفة لموصوف محذوف.
والتقدير : وعدهم ـ أيها الشيطان ـ بما شئت من الوعود الكاذبة ، وما يعد الشيطان بنى آدم إلا وعدا غرورا.
ويجوز أن يكون مفعولا لأجله فيكون المعنى : وما يعدهم الشيطان إلا من أجل الغرور والمخادعة.
وفي الجملة الكريمة التفات من الخطاب إلى الغيبة ، إهمالا لشأن الشيطان ، وبيانا لحاله مع بنى آدم ؛ حتى يحترسوا منه ويحذروه.
__________________
(١) تفسير ابن جرير ج ١٥ ص ٨٣.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٣ ص ٥٠.