أى : ولو لا تثبيتنا إياك ـ أيها الرسول الكريم ـ على ما أنت عليه من الحق والصدق ، بأن عصمناك من كيدهم لقاربت أن تميل ميلا قليلا ، بسبب شدة احتيالهم وخداعهم.
قال بعض العلماء : وهذه الآية أوضحت غاية الإيضاح ، براءة نبينا صلىاللهعليهوسلم من مقاربة الركون إلى الكفار ، فضلا عن نفس الركون ؛ لأن (لَوْ لا) حرف امتناع لوجود ، فمقاربة الركون منعتها (لَوْ لا) الامتناعية لوجود التثبيت من الله ـ تعالى ـ لأكرم خلقه صلىاللهعليهوسلم فاتضح يقينا انتفاء مقاربة الركون ـ أى الميل ـ ، فضلا عن الركون نفسه.
وهذه الآية تبين ما قبلها ، وأنه صلىاللهعليهوسلم لم يقارب الركون إليهم مطلقا. لأن قوله : (لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً) أى : قاربت تركن إليهم ، هو عين الممنوع بلو لا الامتناعية (١).
ومما يشهد بأن الرسول صلىاللهعليهوسلم لم يقارب الركون من مقترحات الكافرين ، قول ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم معصوما ، ولكن هذا تعريف للأمة ، لئلا يركن أحد منهم إلى المشركين في شيء من أحكام الله ـ تعالى ـ وشرائعه.
وعن قتادة أنه قال : لما نزلت هذه الآية ، قال النبي صلىاللهعليهوسلم «اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين».
ثم بين ـ سبحانه ـ ما كان سيترتب على الركون إليهم ـ على سبيل الفرض من عقاب فقال ـ تعالى ـ : (إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ، ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً).
والضعف : عبارة عن أن يضم إلى شيء مثله.
أى : لو قاربت ـ أيها الرسول الكريم ـ أن تركن إليهم أقل ركون ، أو تميل إليهم أدنى ميل ، لأنزلنا بك عذابا مضاعفا في الدنيا وعذابا مضاعفا في الآخرة ، ثم لا تجد لك بعد ذلك نصيرا ينصرك علينا ، أو ظهيرا يدفع عنك عذابنا ، أو يحميك منه ، كما قال ـ تعالى ـ : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ. لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ. ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ).
والسبب في تضعيف العذاب ، أن الخطأ يعظم بمقدار عظم صاحبه ، ويصغر بمقدار صغره ، ورحم الله القائل :
وكبائر الرجل الصغير صغائر |
|
وصغائر الرجل الكبير كبائر |
__________________
(١) تفسير أضواء البيان ج ٣ ص ٦٢١ للشيخ محمد الأمين الشنقيطى.