وجمهور العلماء على أن المراد بالروح في قوله ـ تعالى ـ : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ...) ما يحيا به بدن الإنسان ، وبه تكون حياته ، وبمفارقته للجسد يموت الإنسان ، وأن السؤال إنما هو عن حقيقة الروح ، إذ معرفة حقيقة الشيء. تسبق معرفة أحواله.
وقيل المراد بالروح هنا : القرآن الكريم ، وقيل : جبريل ، وقيل : عيسى إلى غير ذلك من الأقوال التي أوصلها بعضهم إلى أكثر من عشرة أقوال.
ويبدو لنا أن ما ذهب إليه جمهور المفسرين ، أولى بالاتباع ، لأن قوله ـ تعالى ـ بعد ذلك : (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) يؤيد هذا الاتجاه.
قال الآلوسى : الظاهر عند المنصف ، أن السؤال كان عن حقيقة الروح الذي هو مدار البدن الإنسانى ، ومبدأ حياته ، لأن ذلك من أدق الأمور التي لا يسع أحدا إنكارها ، ويشرئب الجميع إلى معرفتها ، وتتوافر دواعي العقلاء إليها ، وتكلّ الأذهان عنها ، ولا تكاد تعلم إلا بوحي ..» (١).
و (مِنْ) في قوله : (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) بيانية. والمراد بالأمر هنا. الشأن.
والمعنى : ويسألك بعض الناس ـ أيها الرسول ـ عن حقيقة الروح ، قل لهم على سبيل الإرشاد والزجر : الروح شيء من جنس الأشياء التي استأثر الله ـ تعالى ـ وحده بعلم حقيقتها وجوهرها.
وقال ـ سبحانه ـ : (قُلِ الرُّوحُ) بالإظهار ، لكمال العناية بشأن المسئول عنه.
وإضافة كلمة (أَمْرِ) إلى لفظ الرب ـ عزوجل ـ ، من باب الاختصاص العلمي ، إذ الرب وحده هو العليم بشأنها ، وليس من باب الاختصاص الوجودي ، لأن الروح وغيرها من مخلوقات الله ـ تعالى ـ.
وفي هذه الإضافة ما فيها من تشريف المضاف ، حيث أضيف هذا الأمر إلى الله ـ تعالى ـ وحده.
قال القرطبي : وقوله ـ تعالى ـ (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) دليل على خلق الروح ، أى : هو أمر عظيم ، وشأن كبير من أمر الله ـ تعالى ـ ، مبهما له وتاركا تفصيله ، ليعرف الإنسان على القطع عجزه عن علم حقيقة نفسه مع العلم بوجودها. وإذا كان الإنسان في
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٥ ص ١٥١.