الصور ، لأنه متى انتفى إتيانهم بمثله مع المظاهرة والمعاونة ، انتفى من باب الأولى الإتيان بمثله مع عدمهما. وقوله : (لِبَعْضٍ) متعلق بقوله (ظَهِيراً).
ولقد بين ـ سبحانه ـ في آيات أخرى أنهم لن يستطيعوا الإتيان بعشر سور من مثله ، بل بسورة واحدة من مثله.
قال ـ تعالى ـ : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ ، وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (١).
وقال ـ سبحانه ـ : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ، وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٢).
ومع عجز المشركين عن الإتيان بسورة من مثل القرآن الكريم إلا أنهم استمروا في طغيانهم يعمهون ، وأبوا التذكر والتدبر ، ولقد صور ـ سبحانه ـ أحوالهم أكمل تصوير فقال : (وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ ، فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً).
أى : ولقد صرفنا وكررنا ونوعنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ، أى : من كل معنى بديع ، هو كالمثل في بلاغته ، وإقناعه للنفوس ، وشرحه للصدور ، واشتماله على الفوائد الجملة ...
ومفعول : (صَرَّفْنا) محذوف ، والتقدير : ولقد صرفنا الهدايات والعبر بوجوه متعددة ..
وقوله ـ سبحانه ـ : (فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً) بيان لموقف الفاسقين عن أمر ربهم من هدايات القرآن الكريم وتوجيهاته ، وأوامره ونواهيه.
أى : فأبى أكثر الناس الاستجابة لهديه ، وامتنعوا عن الإيمان بأنه من عند الله ـ تعالى ـ وجحدوا آياته وإرشاداته ، وعموا وصموا عن الحق الذي جاءهم به من نزّل عليه القرآن ، وهو رسول لله صلىاللهعليهوسلم.
وقال ـ سبحانه ـ : (فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ) بالإظهار في مقام الإضمار ، للتأكيد والتوضيح.
والمراد بأكثر الناس : أولئك الذين بلغهم القرآن الكريم ، واستمعوا إلى آياته وتوجيهاته وتشريعاته وآدابه ، ولكنهم استحبوا الكفر على الإيمان ، وآثروا الضلالة على الهداية.
__________________
(١) سورة هود الآية ١٣.
(٢) سورة البقرة الآية ٢٣.