يزيله منه ، وجعلك سيد ولد آدم ، وخاتم رسله ، وأعطاك المقام المحمود يوم القيامة.
قال صاحب الكشاف : وهذا امتنان عظيم من الله ـ تعالى ـ ببقاء القرآن محفوظا ، بعد المنة العظيمة في تنزيله وتحفيظه. فعلى كل ذي علم أن لا يغفل عن هاتين المنتين والقيام بشكرهما. وهما منة الله عليه بحفظه العلم ، ورسوخه في صدره ، ومنته عليه في بقاء المحفوظ» (١).
ثم أمر الله ـ تعالى ـ نبيه أن يتحدى المشركين بهذا القرآن فقال ـ تعالى ـ : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ ، وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً).
أى : قل ـ أيها الرسول الكريم ـ لهؤلاء المشركين الذين قالوا ـ كما حكى الله عنهم ـ (لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا) ، قل لهم على سبيل التحدي والتعجيز : والله لئن اجتمعت الإنس والجن ، واتفقوا على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ، الذي أنزله الله ـ تعالى ـ من عنده على قلبي .. لا يستطيعون ذلك. ولو كان بعضهم لبعض مظاهرا ومعينا ومناصرا ، في تحقيق ما يتمنونه من الإتيان بمثله.
وخص ـ سبحانه ـ «الإنس والجن» بالذكر ، لأن المنكر كون القرآن من عند الله ، من جنسهما لا من جنس غيرهما كالملائكة ـ مثلا ـ ، فإنهم عباد مكرمون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ، ولأن التحدي إنما هو للإنس والجن الذين أرسل الرسول صلىاللهعليهوسلم إليهم ، لهدايتهم إلى الصراط المستقيم.
وقال ـ سبحانه ـ : (لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ) فأظهر في مقام الإضمار ، ولم يكتف بأن يقول : لا يأتون به ، لدفع توهم أن يتبادر إلى الذهن أن له مثلا معينا ، وللإشعار بأن المقصود نفى المثل على أى صفة كانت هذه المثلية ، سواء أكانت في بلاغته ، أم في حسن نظمه ، أم في إخباره عن المغيبات ، أم في غير ذلك من وجوه إعجازه.
وقوله : (وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) معطوف على مقدر ، أى : لا يستطيعون الإتيان بمثله لو لم يكن بعضهم ظهيرا ونصيرا لبعض ، ولو كان بعضهم ظهيرا ونصيرا لبعض لما استطاعوا أيضا.
والمقصود أنهم لا يستطيعون الإتيان بمثله على أية حال من الأحوال ؛ وبأية صورة من
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٦٩١.