أى : قل ـ أيها الرسول الكريم ـ على سبيل التعجب من سوء تفكير هؤلاء الجاحدين : يا سبحان الله هل أنا إلا بشر كسائر البشر ، ورسول كسائر الرسل ، وليس من شأن من كان كذلك أن يأتى بتلك المطالب المتعنتة التي طلبتموها ، وإنما من شأنه أن يبلغ ما أمره الله بتبليغه من هدايات. تخرج الناس من ظلمات الكفر والجهل. إلى نور الإيمان والعلم.
فالاستفهام في قوله (هَلْ كُنْتُ ...) للنفي ، أى : ما كنت إلا رسولا كسائر الرسل ، وبشرا مثلهم.
وقوله (سُبْحانَ رَبِّي) يفيد التعجيب من فرط حماقتهم ، ومن بالغ جهلهم ، حيث طلبوا تلك المطالب ، التي تضمنت ما يعتبر من أعظم المستحيلات ، كطلبهم إتيان الله ـ عزوجل ـ والملائكة إليهم ، ورؤيتهم لذاته ـ سبحانه ـ ، على سبيل المعاينة والمقابلة.
وهذا التعنت والعناد الذي حكاه الله ـ تعالى ـ عن هؤلاء الجاحدين ، قد جاء ما يشبهه في آيات أخرى. كما جاء ما يدل على أنهم حتى لو أعطاهم الله ـ تعالى ـ مطالبهم. لما آمنوا ، ومن ذلك قوله ـ تعالى ـ : (وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى ، وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ، ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ ، وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ) (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ* وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) (٢).
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ* لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) (٣).
ثم حكى ـ سبحانه ـ بعد ذلك شبهة من شبهاتهم الفاسدة والمتعددة ، وهي زعمهم أن الرسول لا يكون من البشر بل يكون ملكا. وقد أمر الله ـ تعالى ـ رسوله صلىاللهعليهوسلم بأن يرد عليهم بما يبطل مدعاهم فقال :
__________________
(١) سورة الأنعام الآية ١١١.
(٢) سورة يونس الآية ٩٦ ، ٩٧.
(٣) سورة الحجر الآية ١٤ ، ١٥.