ثم قال : وزعم بعضهم أن الكلام على المجاز ، وذلك كما يقال للمنصرف عن أمر وهو خائب مهموم : انصرف على وجهه .. وإياك أن تلتفت إلى ـ هذا الزعم ـ أو إلى تأويل نطقت السنة النبوية بخلافه ، ولا تعبأ بقوم يفعلون ذلك» (١).
فإن قيل : كيف نوفق بين هذه الآية التي تثبت لهؤلاء الضالين يوم حشرهم العمى والبكم والصمم ، وبين آيات أخرى تثبت لهم في هذا اليوم الرؤية والكلام والسمع ، كما في قوله ـ تعالى ـ : (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ ..).
وكما في قوله ـ سبحانه ـ : (دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً) وكما في قوله ـ عزوجل ـ : (سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً)؟
فالجواب : أن المراد في الآية هنا أنهم يحشرون عميا لا يرون ما يسرهم ، وبكما لا ينطقون بحجة تنفعهم ، وصما لا يسمعون ما يرضيهم ..
أو أنهم يحشرون كذلك ، ثم تعاد لهم حواسهم بعد ذلك عند الحساب وعند دخولهم النار.
أو أنهم عند ما يحشرون يوم القيامة ، ويرون ما يرون من أهوال ، تكون أحوالهم كأحوال العمى الصم البكم ، لعظم حيرتهم ، وشدة خوفهم ، وفرط ذهولهم.
ثم بين ـ سبحانه ـ مآلهم بعد الحشر والحساب فقال : (مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً).
ومعنى : (خَبَتْ) هدأت وسكن لهيبها. يقال : خبت النار تخبو إذا هدأ لهيبها.
أى : أن هؤلاء المجرمين مأواهم ومسكنهم ومقرهم جهنم ، كلما سكن لهيب جهنم وهدأ ، بأن أكلت جلودهم ولحومهم ، زدناهم توقدا ، بأن تبدل جلودهم ولحومهم بجلود ولحوم أخرى ، فتعود النار كحالتها الأولى ملتهبة مستعرة.
وخبو النار وسكونها لا ينقص شيئا من عذابهم ، وعلى ذلك فلا تعارض بين هذه الآية وبين قوله ـ عزوجل ـ (خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) (٢).
وفي هذه الآية ما فيها من عذاب للكافرين تقشعر من هوله الأبدان ، وترتجف من تصويره النفوس والقلوب ، نسأل الله ـ تعالى ـ بفضله ورحمته أن يجنبنا هذا المصير المؤلم.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٥ ص ١٧٥.
(٢) سورة البقرة الآية ١٦٢.