بكمال حكمته ، ويتركون هذه الشبهات الفاسدة ، كما في قوله ـ تعالى ـ (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ، ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ) والأول أشبه بما قبله (١).
وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى ، بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٢).
وقوله ـ سبحانه ـ : (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ ، بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ ...) (٣).
وبعد أن أقام ـ سبحانه ـ الدليل الواضح على أن البعث حق ، وعلى أن إعادة الناس إلى الحياة بعد موتهم أمر ممكن ، أتبع ذلك ببيان أن لهذه الإعادة وقتا معلوما يجريه حسب حكمته ـ تعالى ـ فقال : (وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ).
أى : وجعل لهم ميقاتا محددا لا شك في حصوله ، وعند حلول هذا الميقات يخرجون من قبورهم للحساب والجزاء ، كما قال ـ تعالى ـ : (وَما نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ. يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ ، فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ) (٤).
والجملة الكريمة وهي قوله : (وَجَعَلَ لَهُمْ ...) معطوفة على قوله (أَوَلَمْ يَرَوْا ..) لأنه في قوة قولك قد رأوا وعلموا.
قال صاحب الكشاف : فإن قلت ؛ علام عطف قوله : (وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً)؟
قلت : على قوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا) لأن المعنى : قد علموا بدليل العقل ، أن من قدر على خلق السموات والأرض ، فهو قادر على خلق أمثالهم من الإنس لأنهم ليسوا بأشد خلقا منهن ، كما قال : (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ) (٥).
وقوله ـ سبحانه ـ : (فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُوراً) بيان لإصرارهم على جحود الحق مع علمهم بأنه حق.
أى : فأبى هؤلاء الظالمون المنكرون للبعث ، إلا جحودا له وعنادا لمن دعاهم إلى الإيمان به ، شأن الجاهلين المغرورين الذين استحبوا العمى على الهدى.
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٦٥١.
(٢) سورة الأحقاف الآية ٣٣.
(٣) سورة يس الآية ٨١.
(٤) سورة هود الآيتان ١٠٤ ، ١٠٥.
(٥) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٤٦٧.