وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً (١٠٨) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً) (١٠٩)
قال الآلوسى : قوله ـ تعالى ـ : (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ ..) عود إلى شرح حال القرآن الكريم ، فهو مرتبط بقوله : (لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ ..) وهكذا طريقة العرب في كلامها ، تأخذ في شيء وتستطرد منه إلى آخر ، ثم إلى آخر ، ثم إلى آخر ، ثم تعود إلى ما ذكرته أولا ، والحديث شجون ...» (١).
والمراد بالحق الأول : الحكمة الإلهية التي اقتضت إنزاله ، والمراد بالحق الثاني : ما اشتمل عليه هذا القرآن من عقائد وعبادات وآداب وأحكام ومعاملات ...
والباء في الموضعين للملابسة ، والجار والمجرور في موضع الحال من ضمير القرآن الذي دل الكلام على أن الحديث عنه.
والمعنى : وإن هذا القرآن ما أنزلناه إلا ملتبسا بالحق الذي تقتضيه حكمتنا ، وما أنزلناه إلا وهو مشتمل على كل ما هو حق من العقائد والعبادات وغيرهما. فالحق سداه ولحمته ، والحق مادته وغايته.
قال بعض العلماء : بين ـ جل وعلا ـ في هذه الآية الكريمة ، أنه أنزل هذا القرآن بالحق ، أى : ملتبسا به متضمنا له ، فكل ما فيه حق ، فأخباره صدق. وأحكامه عدل ، كما قال ـ تعالى ـ : (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ ...) وكيف لا ، وقد أنزله ـ سبحانه ـ بعلمه ، كما قال ـ تعالى ـ (لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ ، وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً).
وقوله (وَبِالْحَقِّ نَزَلَ) يدل على أنه لم يقع فيه تغيير ولا تبديل في طريق إنزاله ، لأن الرسول المؤتمن على إنزاله قوى لا يغلب عليه ، حتى يغير فيه ، أمين لا يغير ولا يبدل ، كما أشار إلى هذا ـ سبحانه ـ بقوله : (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ. ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ. مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ) (٢).
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٠ ص ١٨٧.
(٢) أضواء البيان ج ص ٥٧٥ للشيخ محمد الأمين الشنقيطى رحمهالله.