عباد الله : يا إبليس ، إن عدم قدرتك على إغواء عبادي المخلصين منهج قويم من مناهجى التي اقتضتها حكمتى وعدالتى ورحمتي ، وسنة من سنني التي آليت على نفسي أن ألتزم بها مع خلقي. إن عبادي المخلصين لا قوة ولا قدرة لك على إغوائهم ، لأنهم حتى إذا مسهم طائف منك. أسرعوا بالتوبة الصادقة إلى ، فقبلتها منهم. وغفرت لهم زلتهم ... ولكنك تستطيع إغواء أتباعك الذين استحوذت عليهم ؛ فانقادوا لك ...
وفي هاتين الآيتين ما فيهما من التنويه بشأن عباد الله المخلصين ، ومن المديح لهم بقوة الإيمان ، وعلو المنزلة ، وصدق العزيمة ؛ وضبط النفس ...
قال ـ تعالى ـ : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً) (١).
قال الآلوسى وقوله : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ ...) أى تصرف وتسلط ، والمراد بالعباد ؛ المشار إليهم بالمخلصين ، فالإضافة للعهد والاستثناء على هذا في قوله (إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ) منقطع.
واختار هذا غير واحد ... وجوز أن يكون بالعباد العموم والاستثناء متصل ، والكلام كالتقرير لقوله إلا عبادك منهم المخلصين ، ولذا لم يعطف على ما قبله ، وتغيير الوضع لتعظيم المخلصين ، بجعلهم هم الباقين بعد الاستثناء ...» (٢).
ثم بين ـ سبحانه ـ سوء عاقبة المتبعين لإبليس فقال : (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ. لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ).
والضمير في قوله (لَمَوْعِدُهُمْ) يعود إلى الغاوين ، أو إلى (مَنِ اتَّبَعَكَ) والموعد : مكان الوعد.
والمراد به هنا المكان الذي سينتهون إليه حتما بعد أن كانوا غافلين عنها في الدنيا ، وهو جهنم أى وإن جهنم لمكان محتوم لهؤلاء الذين أغواهم إبليس دون أن يفلت أحد من سعيرها.
وجملة «لها سبعة أبواب» مستأنفة لوصف حال جهنم وأبوابها.
وجملة «لكل باب منهم جزء مقسوم» صفة لأبواب ، وضمير «منهم» يعود إلى الغاوين أتباع إبليس.
والمقسوم : من القسم وهو إفراز النصيب عن غيره تقول : قسمت كذا قسما وقسمة إذا ميزت كل قسم عن سواه.
__________________
(١) سورة الإسراء الآية ٦٥.
(٢) تفسير الآلوسى ج ١٤ ص ٤٧.