قال ـ تعالى ـ : (فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا) (١).
ثم خص ـ سبحانه ـ بالإنذار فرقة من الكافرين ، نسبوا إلى الله ـ تعالى ـ ما هو منزه عنه ، فقال : (وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً. ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ : كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً).
فقوله ـ سبحانه ـ هنا : (وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً ..) معطوف على قوله قبل ذلك (لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ) من باب عطف الخاص على العام لأن الإنذار في الآية الأولى يشمل جميع الكافرين ومن بينهم الذين نسبوا إلى الله ـ تعالى ـ الولد.
والمراد بهم اليهود والنصارى ، وبعض مشركي العرب ، قال ـ تعالى ـ (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ ، وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ) (٢).
وقال ـ سبحانه ـ : (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ) (٣).
قال الآلوسي : وترك ـ سبحانه ـ إجراء الموصول على الموصوف هنا ، حيث لم يقل وينذر الكافرين الذين قالوا .. كما قال في شأن المؤمنين : ويبشر المؤمنين الذين .. للإيذان بكفاية ما في حيز الصلة في الكفر على أقبح الوجوه. وإيثار صيغة الماضي في الصلة ، للدلالة ، على تحقيق صدور تلك الكلمة القبيحة عنهم فيما سبق (٤).
وقوله ـ تعالى ـ : (ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ) توبيخ لهم على تفوههم بكلام يدل على إيغالهم في الجهل والبهتان.
أى : ما نسبوه إلى الله ـ تعالى ـ من الولد ، ليس لهم بهذه النسبة علم ، وكذلك ليس لآبائهم بهذه النسبة علم ، لأن ذلك مستحيل له ـ تعالى ـ ، كما قال ـ عزوجل ـ : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ ، وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ ، سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ. بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ ، وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ ، وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ، وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (٥).
و «من» في قوله : (ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ) مزيدة لتأكيد النفي ، والجملة مستأنفة ،
__________________
(١) سورة مريم الآية ٩٧.
(٢) سورة التوبة الآية ٣٠.
(٣) سورة النحل الآية ٥٧.
(٤) تفسير الآلوسى ج ١٥ ص ٢٠٣.
(٥) سورة الأنعام الآيتان ١٠٠ ، ١٠١.