و «لهم» خبر مقدم ، و «من علم» مبتدأ مؤخر ، وقوله (وَلا لِآبائِهِمْ) معطوف على الخبر.
أى : ما لهم بذلك شيء من العلم أصلا ، وكذلك الحال بالنسبة لآبائهم ، فالجملة الكريمة تنفى ما زعموه نفيا يشملهم ويشمل الذين سبقوهم وقالوا قولهم.
قال الكرخي : فإن قيل : اتخاذ الولد محال في نفسه ، فكيف قال : (ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ؟) فالجواب أن انتفاء العلم بالشيء قد يكون للجهل بالطريق الموصل إليه ، وقد يكون لأنه في نفسه محال لا يمكن تعلق العلم به ، ونظيره قوله ـ تعالى ـ : (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ) (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً) ذم شديد لهم على ما نطقوا به من كلام يدل على فرط جهلهم ، وعظم كذبهم.
وكبر : فعل ماض لإنشاء الذم ، فهو من باب نعم وبئس ، وفاعله ضمير محذوف ، مفسّر بالنكرة بعده وهي قوله (كَلِمَةً) المنصوبة على أنها تمييز ، والمخصوص بالذم محذوف.
والتقدير : كبرت هي كلمة خارجة من أفواههم تلك المقالة الشنعاء التي تفوهوا بها ، وهي قولهم : اتخذ الله ولدا فإنهم ما يقولون إلا قولا كاذبا محالا على الله ـ تعالى ـ ومخالفا للواقع ؛ ومنافيا للحق والصواب.
وفي هذا التعبير ما فيه من استعظام قبح ما نطقوا به ، حيث وصفه ـ سبحانه ـ بأنه مجرد كلام لاكته ألسنتهم ، ولا دليل عليه سوى كذبهم وافترائهم.
قال صاحب الكشاف : قوله (كَبُرَتْ كَلِمَةً) قرئ ، كبرت كلمة بالرفع على الفاعلية ، وبالنصب على التمييز ، والنصب أقوى وأبلغ ، وفيه معنى التعجب كأنه قيل : ما أكبرها كلمة.
وقوله (تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) صفة للكلمة تفيد استعظاما لاجترائهم على النطق به ، وإخراجها من أفواههم ، فإن كثيرا مما يوسوسه الشيطان في قلوب الناس ويحدثون أنفسهم به من المنكرات ، لا يتمالكون أن يتفوهوا به ، ويطلقوا به ألسنتهم ، بل يكظمون عليه تشوّرا من إظهاره ؛ فكيف بهذا المنكر؟
فإن قلت : إلام يرجع الضمير في «كبرت»؟ قلت : إلى قولهم اتخذ الله ولدا. وسميت
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٣ ص ٤.