والذي تطمئن إليه النفس أن الحزبين كليهما من أصحاب الكهف ، لأن الله ـ تعالى ـ قد قال بعد ذلك ـ (وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ) أى الفتية (لِيَتَساءَلُوا بَيْنَهُمْ ، قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ ، قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ، قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ ..).
قال الآلوسى : (ثُمَّ بَعَثْناهُمْ) أى : أيقظناهم وأثرناهم من نومهم (لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ) أى : منهم ، وهم القائلون (لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) والقائلون (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ).
وقيل : أحد الحزبين الفتية الذين ظنوا قلة زمان لبثهم ، والثاني أهل المدينة الذين بعث الفتية على عهدهم وكان عندهم تاريخ غيبتهم .. والظاهر الأول لأن اللام للعهد ، ولا عهد لغير من سمعت (١).
والمراد بالعلم في قوله (لِنَعْلَمَ ..) إظهار المعلوم ، أى ثم بعثناهم لنعلم ذلك علما يظهر الحقيقة التي لا حقيقة سواها للناس.
ويجوز أن يكون العلم هنا بمعنى التمييز ، أى : ثم بعثناهم لنميز أى الحزبين أحصى لما لبثوا أبدا.
فهو من باب ذكر السبب وإرادة المسبب ، إذ العلم سبب للتمييز.
ولفظ «أحصى» يرى صاحب الكشاف ومن تابعه أنه فعل ماض ، ولفظ «أمدا» مفعوله ، و «ما» في قوله (لِما لَبِثُوا) مصدرية ، فيكون المعنى ، ثم بعثناهم لنعلم أى الحزبين أضبط أمدا ـ أى مدة ـ للبثهم في الكهف.
قال صاحب الكشاف : و «أحصى» فعل ماض ، أى : أيهم أضبط «أمدا» لأوقات لبثهم.
فإن قلت : فما تقول فيمن جعله من أفعل التفضيل؟ قلت : ليس بالوجه السديد ، وذلك أن بناءه من غير الثلاثي المجرد ليس بقياس .. والقياس على الشاذ في غير القرآن ممتنع فكيف به .. (٢).
وبعضهم يرى أن لفظ «أحصى» صيغة تفضيل ، وأن قوله «أمدا» منصوب على أنه تمييز وفي إظهار هذه الحقيقة للناس ، وهي أن الله ـ تعالى ـ قد ضرب النوم على آذان هؤلاء الفتية
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٥ ص ٢١٢.
(٢) راجع الكشاف ج ٢ ص ٤٧٤.