«بورقكم». أى : بدراهمكم المضروبة من الفضة ، (إِلَى الْمَدِينَةِ) التي يوجد بها الطعام الذي نحن في حاجة إليه ، والتي هي أقرب مكان إلى الكهف.
قالوا : والمراد بها مدينتهم التي كانوا يسكنونها قبل أن يلجئوا إلى الكهف فرارا بدينهم.
(فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً) أى : ومتى وصل إلى المدينة ، فليتفقد أسواقها ، وليتخير أى أطعمتها أحل وأطهر وأجود وأكثر بركة.
(فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ) أى : فليأتكم بما يسد جوعكم من ذلك الأزكى طعاما ، فيكون الضمير في «منه» للطعام الأزكى.
ويصح أن يكون للدراهم المضروبة المعبر عنها «بورقكم» ، أى : فليأتكم بدلا منها بطعام تأكلونه ، وليتلطف ، أى : وليتكلف اللطف في الاستخفاء ، والدقة في استعمال الحيل حال دخوله وخروجه من المدينة ، حتى لا يعرفه أحد من أهلها.
(وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً) أى : ولا يفعلن فعلا يؤدى إلى معرفة أحد من أهل المدينة بنا.
وقوله : (إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً) تعليل للأمر والنهى السابقين.
أى : قولوا لمن تختارونه لشراء طعامكم من المدينة : عليه أن يتخير أزكى الطعام ، وعليه كذلك أن لا يخبر أحدا بأمركم من أهل المدينة ، لأنهم (إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ) أى : يطلعوا عليكم. أو يظفروا بكم.
وأصل معنى ظهر. أى : صار على ظهر الأرض. ولما كان ما عليها مشاهدا متمكنا منه ، استعمل تارة في الاطلاع ، وتارة في الظفر والغلبة ، وعدى بعلى.
(يَرْجُمُوكُمْ) أى إن يعرفوا مكانكم ، يرجموكم بالحجارة حتى تموتوا (أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ) الباطلة التي نجاكم الله ـ تعالى ـ منها.
(وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً) أى : وإن عدتم إليها بعد إذ نجاكم الله ـ تعالى ـ منها وعصمكم من اتباعها ، فلن تفلحوا إذا أبدا ، لا في الدنيا ولا في الآخرة.
وهكذا نجد هاتين الآيتين تصوران لنا بأسلوب مؤثر بليغ حال الفتية وهم يتناجون فيها بينهم ، بعد أن استيقظوا من رقادهم الطويل.