عليهم ليعلم هؤلاء الناس عن طريق المعاينة والمشاهدة ، (أَنَّ وَعْدَ اللهِ) بالبعث (حَقٌ) وصدق وليعلموا كذلك أن الساعة ، أى القيامة ، آتية لا ريب فيها ، ولا شك في حصولها ، فإن من شاهد أهل الكهف ، وعرف أحوالهم ، أيقن بأن من كان قادرا على إنامتهم تلك المدة الطويلة ثم على بعثهم بعد ذلك. فهو قادر على إعادة الحياة إلى الموتى ، وعلى بعث الناس يوم القيامة للحساب والجزاء.
وقد ذكروا في كيفية إطلاع الناس عليهم روايات ملخصها : أن زميلهم الذي أرسلوه بالدراهم إلى السوق ليشتري لهم طعاما عند ما وصل إلى سوق المدينة ، عمد إلى رجل ممن يبيع الطعام ، فدفع إليه ما معه من نقود لكي يأخذ في مقابلها طعاما ، فلما رأى البائع النقود أنكرها ـ لأنها مصنوعة منذ زمن بعيد ـ وأخذ يطلع عليها بقية التجار ، فقالوا له : أين وجدت هذه الدراهم؟ فقال لهم : بعت بها أمس شيئا من التمر ، وأنا من أهل هذه المدينة ، وقد خرجت أنا وزملائى إلى الكهف خوفا من إيذاء المشركين لنا ، فأخذوه إلى ملكهم وقصوا عليه قصته. فسر الملك به ، وذهب معه إلى الكهف ليرى بقية زملائه فلما رآهم سلم عليهم .. ثم أماتهم الله ـ تعالى ـ» (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ ما كان من أمرهم بعد وفاتهم واختلاف الناس في شأنهم ، فقال : (إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ ، فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ).
والظرف «إذ» متعلق بمحذوف تقديره : اذكر ، و «يتنازعون» من التنازع بمعنى التخاصم والاختلاف ، والضمير في «أمرهم» يعود إلى الفتية.
والمعنى : لقد قصصنا عليك ـ أيها الرسول الكريم ـ قصة هؤلاء الفتية. وبينا لك أحوالهم عند رقادهم ، وبعد بعثهم من نومهم ، وبعد الإعثار عليهم ، وكيف أن الذين عثروا عليهم صاروا يتنازعون في شأنهم. فمنهم من يقول إنهم وجدوا في زمن كذا ، ومنهم من يقول إنهم مكثوا في كهفهم كذا سنة ، ومنهم من يقول نبنى حولهم بنيانا صفته كذا.
ويجوز أن يكون الضمير في «أمرهم» يعود إلى الذين أطلعهم الله على الفتية ، فيكون المعنى : اذكر وقت تنازع هؤلاء الذين عثروا على الفتية وتخاصمهم فيما بينهم ، حيث إن بعضهم كان مؤمنا. وبعضهم كان كافرا ، وبعضهم كان يؤمن يبعث الأرواح والأجساد ، وبعضهم كان يؤمن ببعث الأجساد فقط.
__________________
(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٥ ص ١٤٢.