كما تدخل في الواقعة حالا عن المعرفة في قولك : جاءني رجل ومعه آخر ، ومررت بزيد وفي يده سيف ، ومنه قوله ـ تعالى ـ : (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ).
وفائدتها توكيد لصوق الصفة بالموصوف ، والدلالة على أن اتصافه بها أمر ثابت مستقر وهي التي أذنت هنا بأن قائلى ما ذكر ، قالوه عن ثبات علم ، وطمأنينة نفس ، ولم يرجموا بالظن كما رجم غيرهم فهو الحق دون القولين الأولين ... (١).
ثم أمر الله ـ تعالى ـ النبي صلىاللهعليهوسلم أن يخبر الخائضين في عدة أصحاب الكهف ، بما يقطع التنازع الذي دار بينهم فقال : (قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ).
أى : قل ـ أيها الرسول الكريم ـ لمن خاضوا في عدة أصحاب الكهف : ربي ـ عزوجل ـ أقوى علما منكم بعدتهم ـ أيها المتنازعون ، فإنكم إن علمتم عنهم شيئا علما ظنيا. فإن علم ربي بهم هو علم تفصيلي يقيني لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.
ثم أثبت ـ سبحانه ـ علم عددهم لقليل من الناس فقال : (ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ) أى : ما يعلم عدة أصحاب الكهف إلا عدد قليل من الناس.
ولا تعارض بين هذه الجملة وبين سابقتها ، لأن علم هذا العدد القليل من الناس بعدة أصحاب الكهف ، هو علم إجمالى ظني .. أما علم الله ـ تعالى ـ فهو علم تفصيلي يقيني شامل لجميع الأزمنة.
فضلا عن أن علم هؤلاء القلة من الناس بعدة أصحاب الكهف ، نابع من إعلام الله ـ تعالى ـ لهم عن طريق الوحى كالرسول صلىاللهعليهوسلم أو من يطلعه الرسول صلىاللهعليهوسلم على عدتهم.
قال ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ : أنا من أولئك القليل ، كانوا سبعة ، ثم ذكر أسماءهم.
ثم نهى الله ـ تعالى ـ رسوله صلىاللهعليهوسلم عن الجدال المتعمق في شأنهم ، كما نهاه عن استفتاء أحد في أمرهم فقال ـ تعالى ـ : (فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً. وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً).
والمراء : هو الجدال والمحاجة فيما فيه مرية ، أى : تردد. مأخوذ من مريت الناقة إذا كررت مسح ضرعها للحلب.
__________________
(١) تفسير الآلوسي ج ١٥ ص ٢٤١.