وقوله ـ تعالى ـ : (رَجْماً بِالْغَيْبِ) رد على القائلين بأنهم ثلاثة رابعهم كلبهم ، وعلى القائلين بأنهم خمسة سادسهم كلبهم.
وأصل الرجم : الرمي بالحجارة ، والمراد به هنا : القول بالظن والحدس والتخمين بدون دليل أو برهان.
قال صاحب الكشاف قوله : (رَجْماً بِالْغَيْبِ) ، أى : رميا بالخبر الخفى وإتيانا به. كقوله (وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) أى : يأتون به. أو وضع الرجم ، موضع الظن فكأنه قيل ظنا بالغيب. لأنهم أكثروا أن يقولوا : رجم بالظن ، مكان قولهم : ظن. حتى لم يبق عندهم فرق بين العبارتين. ألا ترى إلى قول زهير : وما هو عنها بالحديث المرجم .. أى : المظنون» (١).
وقوله : (رَجْماً) منصوب بفعل مقدر. والباء في (بِالْغَيْبِ) للتعدية.
أى : يرمون رميا بالخبر الغائب عنهم ، والذي لا اطلاع لهم على حقيقته ، شأنهم في ذلك شأن من يرمى بالحجارة التي لا تصيب المرمى المقصود.
ثم حكى ـ سبحانه ـ القول الذي هو أقرب الأقوال إلى الصواب فقال : (وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ).
أى : وبعض الناس ـ وهم المؤمنون ـ يقولون إن عدد أصحاب الكهف سبعة أفراد وثامنهم كلبهم.
قال ابن كثير : ـ يقول ـ تعالى ـ مخبرا عن اختلاف الناس في عدة أصحاب الكهف. فحكى ثلاثة أقوال ، فدل على أنه لا قائل برابع. ولما ضعف القولين الأولين بقوله : «رجما بالغيب».
أى : قول بلا علم ، كمن يرمى إلى مكان لا يعرفه ، فإنه لا يكاد يصيب. وإذا أصاب فبلا قصد ، ثم حكى الثالث وسكت عليه أو قرره بقوله : (وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) دل على صحته ، وأنه هو الواقع في نفس الأمر» (٢).
وقال الآلوسى ما ملخصه : والجملة الواقعة بعد العدد في قوله ـ تعالى ـ : (وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) في موضع الصفة له ، والواو الداخلة على الجملة الواقعة صفة للنكرة.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٤٧٨.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٥ ص ١٤٣.