أى : اذكر ربك معلقا على مشيئته ما تقول إنك ستفعله غدا إذا تذكرت بعد النسيان.
وهذا القول هو الظاهر ، لأنه يدل عليه ما قبله ، وهو قوله ـ تعالى ـ : (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) وهو قول الجمهور.
الثاني : أن هذه الجملة لا تعلق لها بما قبلها ، وأن المعنى : إذا وقع منك النسيان لشيء فاذكر ربك ، لأن النسيان من الشيطان ، كما قال ـ تعالى ـ عن فتى موسى : (وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ....) (١).
وعلى هذا القول يكون المراد بالذكر : التسبيح والاستغفار ، وعلى الأول المراد به أن تقول : إن شاء الله أو ما يشبه ذلك.
والمقصود من هذه الآية الكريمة بيان أن تعليق الأمور بمشيئة الله ـ تعالى ـ هو الذي يجب أن يفعل ، لأنه ـ تعالى ـ لا يقع شيء إلا بمشيئته فإذا نسى المسلم ثم تذكر ، فإنه يقول : إن شاء الله ، ليخرج بذلك من عهدة عدم التعليق بالمشيئة ، وبذلك يكون قد فوض أمره إلى الله ـ تعالى ـ.
وليس المقصود بها التحلل من يمين قد وقعت ، لأن تداركها قد فات بالانفصال ، ولأن الاستثناء المتأخر لا أثر له ولا تحل به اليمين.
ثم ختم ـ سبحانه ـ الآية الكريمة بقوله : (وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً) أى : قدم ـ أيها الرسول الكريم ـ مشيئة ربك عند إرادة فعل شيء ، وأت بها إذا نسيت ذلك عند التذكر ، وقل عسى أن يوفقني ربي ويهديني ويدلني على شيء أقرب في الهداية والإرشاد من هذا الذي قصصته عليكم من أمر أصحاب الكهف.
قال صاحب الكشاف : وقوله : (لِأَقْرَبَ مِنْ هذا ..) اسم الإشارة يعود إلى نبأ أصحاب الكهف : ومعناه : لعل الله يؤتينى من البينات والحجج على أنى نبي صادق ، ما هو أعظم في الدلالة وأقرب رشدا من نبأ أصحاب الكهف.
وقد فعل ـ سبحانه ـ ذلك ، حيث آتاه من قصص الأنبياء ، والإخبار بالغيوب ، ما هو أعظم من ذلك وأدل ، (٢).
__________________
(١) أضواء البيان ج ٤ ص ٧٧.
(٢) تفسير الكشف ج ٢ ص ٤٨٠.