سأفعل هذا الشيء غدا بإذن الله ومشيئته ، فإن كل حركة من حركاتك ـ ومن حركات غيرك ـ مرهونة بمشيئة الله ـ تعالى ـ وإرادته ، وما يتعلق بمستقبلك ومستقبل غيرك من شئون ، هو في علم الله ـ تعالى ـ وحده.
وليس المقصود من الآية الكريمة نهى الإنسان عن التفكير في أمر مستقبله ، وإنما المقصود نهيه عن الجزم بما سيقع في المستقبل ، لأن ما سيقع علمه عند الله ـ تعالى ـ وحده.
والعاقل من الناس هو الذي يباشر الأسباب التي شرعها الله ـ تعالى ـ سواء أكانت هذه الأسباب تتعلق بالماضي أم بالحاضر أم بالمستقبل ، ثم يقرن كل ذلك بمشيئة الله ـ تعالى ـ وإرادته. فلا يقول : سأفعل غدا كذا وكذا لأننى أعددت العدة لذلك ، وإنما يقول : سأفعل غدا كذا وكذا إذا شاء الله ـ تعالى ـ ذلك وأراد ، وأن يوقن بأن إرادة الله فوق إرادته ، وتدبيره ـ سبحانه ـ فوق كل تدبير.
وكم من أمور أعد الإنسان لها أسبابها التي تؤدى إلى قضائها .. ثم جاءت إرادة الله ـ تعالى ـ فغيرت ما أعده ذلك الإنسان ، لأنه لم يستشعر عند إعداده للأسباب أن. إرادة الله ـ تعالى ـ فوق إرادته ، وأنه ـ سبحانه ـ القادر على خرق هذه الأسباب ، وخرق ما تؤدى إليه ، ولأنه لم يقل عند ما يريد فعله في المستقبل ، إن شاء الله.
وقوله : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ) تأكيد لما قبله أى : لا تقولن أفعل غدا إلا ملتبسا بقول : إن شاء الله ، واذكر ربك ـ سبحانه ـ إذا نسيت تعليق القول بالمشيئة ، أى : عند تذكرك بأنك لم تقرن قولك بمشيئة الله ، فأت بها.
قال الآلوسى : قوله (وَاذْكُرْ رَبَّكَ) أى : مشيئة ربك ، فالكلام على حذف مضاف ، إذا نسيت ، أى : إذا فرط منك نسيان ذلك ثم تذكرته. فهو أمر بالتدارك عند التذكر .. (١).
وقال بعض العلماء ما ملخصه : للمفسرين في تفسير قوله ـ تعالى ـ : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ) قولان :
الأول ـ أن هذه الجملة مرتبطة ومتعلقة بما قبلها : والمعنى : إنك إن قلت سأفعل غدا كذا ونسيت أن تقول إن شاء الله ، ثم تذكرت بعد ذلك فقل : إن شاء الله.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٥ ص ٢٤٩.