وما كان هذا الرجل الذي جحد نعم ربه منتصرا لأنه ـ سبحانه ـ قد حجب عنه كل وسيلة تؤدى إلى نصره وعونه ، بسبب إيثاره الغي على الرشد ، والكفر على الإيمان.
فالآية الكريمة تبين بجلاء ووضوح ، عجز كل قوة عن نصرة ذلك الرجل المخذول سوى قوة الله ـ عزوجل ـ ، وعجز ذلك الرجل في نفسه عن رد انتقام الله ـ تعالى ـ منه.
وقوله ـ سبحانه ـ : (هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ ..) تقرير وتأكيد للآية السابقة. ولفظ هنالك ظرف مكان.
وكلمة «الولاية» قرأها الجمهور بفتح الواو ، بمعنى الموالاة والصلة والنصرة كما قرأ الجمهور كلمة «الحق» بالجر على أنها نعت للفظ الجلالة.
فيكون المعنى : في ذلك المقام وتلك الحال تكون الولاية ـ أى الموالاة والصلة ـ من كل الناس ، لله ـ تعالى ـ وحده إذ الكافر عند ما يرى العذاب يعترف بوحدانية الله ـ تعالى ـ كما قال ـ سبحانه ـ (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ. فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا) (١).
ويجوز أن يكون المعنى : في ذلك المقام وتلك الحال تكون الولاية أى الموالاة لله ـ تعالى ـ وحده ، فيوالي المؤمنين برحمته ومغفرته وينصرهم على أعدائهم ، كما قال ـ سبحانه ـ (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا ، وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ) (٢).
وقرأ حمزة والكسائي : (الْوَلايَةُ) بكسر الواو ، بمعنى الملك والسلطان كما قرأ أبو عمرو والكسائي لفظ (الْحَقِ) بالرفع على أنه نعت للولاية.
فيكون المعنى : في ذلك المقام تكون الولاية الحق ، والسلطان الحق ، لله رب العالمين ، كما قال ـ سبحانه ـ : (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ ، وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً) (٣).
قال بعض العلماء : وقوله «هنالك» يرى بعضهم أنه متعلق بما بعده ، والوقف تام على قوله (وَما كانَ مُنْتَصِراً).
ويرى آخرون أنه متعلق بما قبله.
فعلى القول الأول يكون الظرف «هنالك» عامله ما بعده أى : الولاية كائنة لله هنالك.
__________________
(١) سورة غافر الآيتان ٨٤ ، ٨٥.
(٢) سورة محمد الآية ١١.
(٣) سورة الفرقان الآية ٢٦.