الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً) (٤٦)
قال الإمام الرازي : اعلم أن المقصود : اضرب لهم مثلا آخر يدل على حقارة الدنيا ، وقلة بقائها. والكلام متصل بما تقدم من قصة المشركين المتكبرين على فقراء المؤمنين ..» (١).
والمعنى. واذكر لهم ـ أيها الرسول الكريم ـ ما يشبه هذه الحياة الدنيا في حسنها ونضارتها ، ثم في سرعة زوال هذا الحسن والنضارة ، لكي لا يركنوا إليها ، ولا يجعلوها أكبر همهم ، ومنتهى آمالهم.
وقوله : (كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ ..) بيان للمثل الذي شبه الله ـ تعالى ـ به الحياة الدنيا أى : مثلها في ازدهارها ثم في زوال هذا الازدهار ، كهيئة أو كصفة ماء أنزلناه بقدرتنا من السماء ، في الوقت الذي نريد إنزاله فيه.
(فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ) والاختلاط والخلط : امتزاج شيئين فأكثر بعضهما ببعض.
أى : كماء أنزلناه من السماء ، فاختلط وامتزج بهذا الماء نبات الأرض ، فارتوى منه ، وصار قويا بهيجا يعجب الناظرين إليه.
وفي التعبير بقوله : (فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ) دون قوله : فاختلط بنبات الأرض إشارة إلى كثرة الماء النازل من السماء ، وإلى أنه السبب الأساسى في ظهور هذا النبات ، وفي بلوغه قوته ونضارته.
وقوله : (فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ) بيان لما صار إليه هذا النبات من يبوسته وتفتته ، بعد اخضراره وشدته وحسنه.
قال القرطبي ما ملخصه : «هشيما» أى متكسرا متفتتا ، يعنى بانقطاع الماء عنه ، فحذف ذلك إيجازا لدلالة الكلام عليه ، والهشم ، كسر الشيء اليابس. والهشيم من النبات : اليابس المتكسر .. ورجل هشيم : ضعيف البدن.
و «تذروه الرياح» أى تفرقه وتنسفه .. يقال : ذرت الريح الشيء تذروه ذروا ، إذا طارت به وأذهبته» (٢).
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ٢١ ص ١٣٠.
(٢) تفسير القرطبي ج ١٠ ص ٤١٣.