قال الآلوسى : وتقديم المال على البنين ـ مع كونهم أعز منه عند أكثر الناس لعراقته فيما نيط به من الزينة والإمداد وغير ذلك .. ولأنه زينة بدونهم من غير عكس فإن من له بنون بغير مال فهو في أضيق حال ..» (١).
وفي التعبير بقوله ـ سبحانه ـ زينة ، بيان بديع. وتعبير دقيق لحقيقتهما ، فهما زينة وليسا قيمة ، فلا يصح أن توزن بهما أقدار الناس ، وإنما توزن أقدار الناس بالإيمان والعمل الصالح ، كما قال ـ تعالى ـ (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ).
ولذا جاء التعقيب منه ـ سبحانه ـ بقوله : (وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً).
أى : المال والبنون زينة يتزين ويتفاخر بها كثير من الناس في هذه الحياة الدنيا ، وإذا كان الأمر كذلك في عرف كثير منهم. فإن الأقوال الطيبة ، والأعمال الحسنة ، هي الباقيات الصالحات ، التي تبقى ثمارها للإنسان ، وتكون عند الله ـ تعالى ـ (خَيْرٌ) من الأموال والأولاد ، ثوابا وجزاء وأجرا (وَخَيْرٌ أَمَلاً) حيث ينال بها صاحبها في الآخرة ما كان يؤمله ويرجوه في الدنيا من فوز بنعيم الجنة ، أما المال والبنون فكثيرا ما يكونان فتنة.
وقد ساق الإمام ابن كثير جملة من الآثار في تعيين المراد بالباقيات الصالحات فقال : قال ابن عباس وسعيد بن جبير وغير واحد من السلف : والباقيات الصالحات : الصلوات الخمس.
وقال عطاء بن أبى رياح وسعيد بن جبير عن ابن عباس : (وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ) : سبحان الله والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر .. (٢).
ويبدو لنا أن قوله ـ تعالى ـ : (وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ) لفظ عام ، يشمل كل قول ، أو عمل يرضى الله ـ عزوجل ـ ويدخل في ذلك دخولا أوليا : الصلوات الخمس وغيرها مما ذكره المفسرون من أقوال.
وسمى ـ سبحانه ـ ما يرضيه. من أقوال ، وأعمال بالباقيات الصالحات لأنها باقية لصاحبها غير زائلة ولا فانية ، بخلاف زينة الحياة الدنيا فإنها زائلة فانية.
قال الإمام ابن جرير ـ رحمهالله ـ وأولى الأقوال بالصواب قول من قال : هن جميع أعمال الخير .. لأن ذلك كله من الصالحات التي تبقى لصاحبها في الآخرة ، وعليها يجازى
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٥ ص ٢٨٦.
(٢) راجع تفسير ابن كثير ج ٥ ص ١٥٧.